مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الإرادة في آية التطهير وإثبات أنها تكوينية لا تشريعية

تفاصيل المنشور

الاشكال

هناك فرق بين الإرادة الشرعية والكونية في قوله (يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وهي هنا شرعية والشرعية لا يلزم وقوعها.

المستشكل

أيوب نصار

تفاصيل المنشور

الاشكال

هناك فرق بين الإرادة الشرعية والكونية في قوله (يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وهي هنا شرعية والشرعية لا يلزم وقوعها.

الأخ أيوب المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
عندما نمعن النظر في القرآن الكريم نجد العديد من آياته الشريفة قد تضمنت نوعين من الإرادة، وحتّى تكون الصورة أكثر وضوحاً وبياناً، فإنّنا نقتصر على إيراد بعض الآيات الشريفة فيما يخصُّ المقام:
قال تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]، وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، والمعنى في الآيتين الكريمتين يفصح عن أنّ إرادة الله نافذةٌ لا يقف في طريقها شيء، فهي مشيئته سبحانه التي تعني الحتميّة، إذ تختصُّ بنظام الخلق وناموس الطبيعة، ويُطلق على هذا النوع من الإرادة، بالإرادة التكوينيّة.
إذن، فالإرادة التكوينيّة، هي: التصرّفات التي تقع في شؤون عالم الخَلق، من التكوين والإبداع والمعاجز، ومطلق الأفعال والأعمال، وبعبارةٍ أُخرى: كلّ ما كان من شأنه أن يدخل في دائرة الوجود ـ إثباتاً ونفياً ـ تتولّاه الإرادة التكوينيّة لله عزّ وجلّ، فيَحكم بوجوده تارةً فيصبح موجوداً، أو ينفي وجوده أحياناً فيبقى في ظلُمات العدم.
أمّا النوع الثاني من الإرادة، والذي يطلق عليه الإرادة التشريعيّة كما يعرب عنه قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]، فإنّه يُستفاد منهما أنّ معنى الإرادة التشريعيّة: الأوامر والنواهي الصادرة من الله تبارك وتعالى والتي تصل إلى ذوي العقول بصورة الوحي إلى الأنبياء عليهم السلام.
ومنه يُعلم، أنّ الواجبَ على الإنسان في الإرادة التشريعيّة الالتزامُ بأحكام الحلال والحرام والدين بصورةٍ عامّة، ولكنّه في الإرادة التكوينيّة لا يستطيع أن يخرج في أفعاله وأعماله عن دائرتها؛ لأنّ تصرّفاته كافّة وتقلّباته في عالم الوجود تكون بالقدرة والإمكانيّة التي تعطى له من جانب الله جلّ وعلا.
وعلى ضوء ما تقدّم يتّضح أنَّ الإرادةَ في الآية محلّ البحث هي إرادةٌ تكوينيّة لا تشريعيّة؛ وذلك لما يأتي:
1. عدم إمكان تصوّر إرادة تشريعيّة من دون أنْ تكون هناك تشريعاتٌ معيَّنة يتحقَّق من خلالها المراد التشريعي, فمِن غير المعقول التصريحُ بالإرادة التشريعيّة مع خلوِّ المقام من ذكر التشريعات التي تفضي إلى تحقّق المراد التشريعي, وخيرُ مثالٍ على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6], فالإرادة في هذه الآية الكريمة إرادةٌ تشريعيّة؛ إذ جاءت فيها عدّةُ تشريعات كالغُسل والوضوء والتيمُّم ونحو ذلك, فهي تهدف إلى طهارة الناس من الحدث والخبث, ومن دون شكّ أنّ هذا الأمر سيمتثلُ له بعضهم ويعرض عنه آخرون, إذن, لو كانت الإرادةُ في آية التطهير تشريعيّةً لذُكرتْ تلك التشريعات, إلّا أنّ واقع -الحال كما ترى وتشاهد- فإنّها تخلو من ذلك, وعليه تكون الإرادة في الآية ـ محل البحث ـ إرادةً تكوينيّة.
2. إنّ اختصاص الإرادة التشريعيّة بالتطهير من الذنوب لا وجه لحصرها بهؤلاء المعنيّين في الآية؛ لأنّ جميع التشريعات ترتبط أساساً بتطهير الناس وتزكيتهم سواء بسواء، وعليه فلا بدّ أنْ تكون الإرادة تكوينيّةً بحيث لا يمكن أنْ يتخلّف المراد عمّا تعلّقت به إرادة الله سبحانه وتعالى، ولكن ليس بذلك المعنى الذي يستلزم القولَ بالجبر وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) مجبَرون بالعصمة، بل المراد أن الأئمة (عليهم السلام) كالأنبياء (عليهم السلام).
ودمتم سالمين