تفاصيل المنشور
- السائل - ناصر الصحب والآل
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 26 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الاستدلال بأنّ الرسول يستغيث بعليِّ بن أبي طالب في الحرب لأجل إنقاذه من الكفّار فهو يُظهر بأنه لا شجاع إلا علي بن أبي طالب، والكل بحاجةٍ إليه حتى رسول الله، فعليٌّ كرَّم اللّه وجهه هو نفسه يقول: (( كنّا إذا حمِي الوطيس احتمينا برسول اللّه، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه )) مباحث في علوم القرآن، صبحي الصالح، ص ٤٣. أين كان سيف ذي الفقار عندما كسِّرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجّه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فداك أبي وأمي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وخصوصًا وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.
السائل
ناصر الصحب والآل
الاستدلال بأنّ الرسول يستغيث بعليِّ بن أبي طالب في الحرب لأجل إنقاذه من الكفّار فهو يُظهر بأنه لا شجاع إلا علي بن أبي طالب، والكل بحاجةٍ إليه حتى رسول الله، فعليٌّ كرَّم اللّه وجهه هو نفسه يقول: (( كنّا إذا حمِي الوطيس احتمينا برسول اللّه، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه )) مباحث في علوم القرآن، صبحي الصالح، ص ٤٣. أين كان سيف ذي الفقار عندما كسِّرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجّه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فداك أبي وأمي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وخصوصًا وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
الواقعة المستدَلُّ بها إنما هي لتعضيد مشروعيّة الاستغاثة، والمستشكل هنا حرَّف السياق بما لا يمكن لعاقلٍ قبولُه، فحوَّل الاستدلال من جواز الاستغاثة إلى افتراض أنّ المستغاث به أشجع من المستغيث، مما يشير إلى عجزِ المستشكل عن تقديم أدلةٍ علميةٍ تنفي هذا الاستنتاج.
ولا يعني نداءُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واستغاثتُه بعليٍّ (عليه السلام) ضعفَه أو نقصَ شجاعته، بل يعني العكس بالضبط؛ إذ يشير إلى هفوةٍ تاريخية كبيرةٍ وصمت على جبين الصحابة لمّا هربوا عنه، وتركوه وحيدًا في ساحة المعركة، حيث أصيب، وكسرت رباعيتُه، وفي هذه اللحظة نادى بمن يشدُّ أزره، ويحمي وجهه، ويضرب بين يديه بسيفه “ذي الفقار”.
روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج أنّه ((لمّا فرّ مُعظم أصحابه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أُحد كثرت عليه كتائب المشركين، وقصدتْه كتيبةٌ من بني كنانة، ثمّ من بني عبد مناة بن كنانة، فيها بنو سفيان بن عوف، وهم: خالد بن سفيان، وغراب بن سفيان، وأبو شعثاء بن سفيان، وأبو الحمراء بن سفيان، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يا عليُّ، اكفني هذه الكتيبة، فحمل عليها، وإنّها لتقارب خمسين فارسًا، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) راجل، فما زال يضربها بالسيف حتّى تتفّرق عنه، ثمّ تجتمع عليه هكذا مرارًا، حتّى قَتل بني سفيان بن عوف الأربعة، وتمام العشرة منها ممّن لا يعرف بأسمائهم. فقال جبريل (عليه السلام): يا محمّد، إنّ هذه لمواساة؛ لقد عجبتِ الملائكة من مواساة هذا الفتى، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وما يمنعه، وهو مني، وأنا منه؟ فقال جبريل: وأنا منكما، قال: وسُمع ذلك اليوم صوتٌ من قِبَل السماء، لا يُرى شخصُ الصارخ به، ينادي مرارًا: “لا فتى إلّا عليّ، ولا سيف إلا ذو الفقار”، فسُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه. فقال: هذا جبريل)).
ثم قال ابن أبي الحديد: ((وقد روى هذا الخبر جماعةٌ من المحدِّثين، وهو من الأخبار المشهورة، ووقفتُ عليه في بعض نسخ مغازي محمّد بن إسحاق، ورأيت بعضها خاليًا عنه، وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سكينة عن هذا الخبر، فقال: خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو كلُّ ما كان صحيحاً تشتمل عليه كتبُ الصحاح؟ كم قد أهمل جامعو الصحاح من الأخبار الصحيحة)).[شرح نهج البلاغة، ج3، ص272].
وبالمثل نداءه (صلى الله عليه وآله وسلم) له (عليه السلام) في ليلة الهجرة للمبيت على فراشه، ولكنّ ذلك لم يكن ضعفًا من الرسول ص أو نقصَ شجاعةٍ، بل كان استدعاءً ضروريًّا للحفاظ على حياته وتأمين هجرته بسلام، ففداه بنفسه، ووقاه من غدر الكفّار ومكرهم، وإلى ذلك أشار ابن العربي، فقال: ((قام عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم فداء له)) [أحكام القرآن، لابن العربي ج2، ص396].
وكذلك في يوم خيبر، حينما استدعاه (صلى الله عليه وآله) لينصر رايته بعد خذلانها من الصحابة، فقد روى البخاري في صحيحه، عن سهل بن سعد، أنه قال: ((قال النبي (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غدًا رجلًا يفتح على يديه، يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسوله، فبات الناس ليلتهم، أيّهم يعطى؟ فغدوا كلهم يرجوه. فقال: أين علي؟ فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ كأنْ لم يكن به وجعٌ، فأعطاه. فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال (صلى الله عليه وآله): انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرْهم بما يجب عليهم، فوالله لأنْ يهدي الله بك رجلًا خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم)) [صحيح البخاري، ج4، ص73 كتاب الجهاد والسير].
وفي اليوم الذي أرسله فيه لمواجهة عمرو بن عبد ودّ العامري، وهو موقف آخر أظهر جبن الصحابة وخوفهم من المواجهة، فكان استدعاءُ عليٍّ (عليه السلام) ضروريًّا في مثل هذا الموقف التاريخي الكبير، قال ابن أبي الحديد المعتزلي: ((روى الجمهور: أنه لما برز إلى عمرو بن عبد ود العامري في غزاة الخندق، وقد عجز عنه المسلمون، قال النبي صلى الله عليه وآله: “برز الإيمان كله إلى الشرك كله”)) [شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، ج4، ص344].
هذا، وأما قولك ((فعليٌّ كرم اللّه وجهه هو نفسه يقول: «كنّا إذا حمِي الوطيس احتمينا برسول اللّه، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه»))، متوخيًا بذلك إثبات أنّ عليًّا (عليه السلام) يومها لم يكن مدافعًا عن رسول الله، بل كان محتميًا به مع بعض الصحابة، في حين أن التاريخ سجّل في صفحاته ثبات علي (عليه السلام)، وفرارهم من ساحة المعركة وهروبهم من مواجهة العدو.
فغايتك من إيراد هذا النصّ عن عليٍّ (عليه السلام) هي محاولةٌ يائسة لتأكيد ما جاء في رواية البراء في قصة حنين، لإيهام القراء بأنّ البراء وغيره من الصحابة كانوا في ذلك اليوم يحتمون برسول الله، وأنهم لم يفروا من الزحف، ولم يهربوا من وجه العدوّ، وهكذا كان عليٌّ معهم، بناء على ما رواه الشيخان البخاريّ ومسلم في صحيحيهما، عن أبي إسحاق أنه قال: ((قال رجل للبراء: يا أبا عمارة! أ فررتم يوم حنين؟ قال: لا والله!…)) [صحيح البخاري، ج3، ص1071، تـ. البغا؛ صحيح مسلم، ج3، ص1400، تـ. عبد الباقي].
ولكن هيهات هيهات فقد اتّسع الخرق على الراقع.. فقد ثبت فرار بعض الصحابة من الزحف وهروبهم من مواجهة العدو، ولم يثبت أحد منهم مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وكان أبو بكر هو الذي أعجبته في ذلك اليوم كثرة الناس، فقال: لم نغلب اليوم من قلة. ثم كان أول المنهزمين، ومن ولى من القوم الدبر، فقال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]، فاختص من التوبيخ به لمقاله بما لم يتوجه إلى غيره، وشارك الباقين في الذم على نقض العهد والميثاق.
ومن جانبٍ آخر، فكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشجع الخلق، فهذا أمرٌ مقطوعٌ به، ولا يحتاج إلى توضيحٍ أو إلى تقديمِ أدلةٍ، وعليّ (عليه السلام) أيضًا كان من بين أشجع الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد برزت شجاعته في العديد من المواقف، مثل معركة بدر ومعركة الخندق، ومعركة صفين، إلى غير ذلك من المعارك الأخرى التي سجلها التاريخ، فكانت كالنار على علم.
فقد كان عليٌّ (عليه السلام) قائدًا لمعسكره (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسؤولًا عن قضايا الحرب بتكليفٍ مباشر منه، وليس بدعًا أن يلجأ القائد إلى من هو أعلى منه رتبةً وأشجع منه في مواجهة العدو، ففي بعض المواقف، قد تنفد من القائد كلُّ الوسائل في تحقيق النصر على العدو، فيحتاج إلى من يعينه، ويسانده في محنته، فنجد الإمام (عليه السلام) الذي ملأت الدنيا أحاديث بطولته وشجاعته، يشهد بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أعظم شجاعة وإقدامًا منه، وهذا موافقٌ لعقيدتنا بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) يفوق الأمّة بأسرها في جميع صفات الكمال .
وأما قولك ((أين كان سيف ذي الفقار عندما كسِّرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجّه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فداك أبي وأمي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟)).
أقول: يوحي سؤالك بوجود خللٍ ما في سياق الأحداث، يدفعك للاعتقاد بغياب بعض الصحابة عن ساحة المعركة، وتركهم للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيدًا يواجه الأعداء، بينما كان عليٌّ (عليه السلام) مشغولًا بصدّ هجماتهم.. ويُفهَم من سؤالك هذا إقرارٌ بفرار بعض الصحابة من المعركة!!
وأما قولك ((أين كان … وخصوصًا وأنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة)).
أقول: وهل يُعقل أنّ الله سبحانه وتعالى لا يعلم ما سيواجهه نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أذًى ومحاربة وعذاب؟!
وكيف يمكن أن يتساءل أحدٌ عن غياب الله سبحانه عن نبيه، وهو يعلم مسبقًا ما سيحدث، مع قدرته على منعه وحماية نبيِّه من أيِّ اعتداء؟!
إنّ طرح مثل هذا السؤال يُعدّ كفرًا.
والآن، هل تطرح أنت هذا السؤال على نفسك؟!
أما بخصوص سؤالك عن عليٍّ (عليه السلام)، فإنّك بهذا تُريد أن تُعلي شأنه، وتُعظّمه فوق الله، والعياذ بالله من ذلك.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.