تفاصيل المنشور
- المستشكل - صلاح مجد الدين
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 44 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الذين قاتلوا عليًّا هم شيعة معاوية وشيعة عائشة، وتقديرهم يصل الى السبعين ألفًا، مما يعني أن ثلث الأمة لم تبايع عليًّا، ومن تتخلف عنه ثلث الأمة عن مبايعته، كيف يكون أهلًا للخلافة، والجميل في كل هذا هو أن الأمة قد أجمعت على عثمان، وبهذا تكون خلافة عثمان أفضل من خلافة عليّ رضي الله عنهم جميعًا؛ لأن الله زكى الأمة، فالخير فيما أجمعت عليه.
المستشكل
صلاح مجد الدين
الذين قاتلوا عليًّا هم شيعة معاوية وشيعة عائشة، وتقديرهم يصل الى السبعين ألفًا، مما يعني أن ثلث الأمة لم تبايع عليًّا، ومن تتخلف عنه ثلث الأمة عن مبايعته، كيف يكون أهلًا للخلافة، والجميل في كل هذا هو أن الأمة قد أجمعت على عثمان، وبهذا تكون خلافة عثمان أفضل من خلافة عليّ رضي الله عنهم جميعًا؛ لأن الله زكى الأمة، فالخير فيما أجمعت عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
الإشكال قائم على قياسٍ باطل، وهو قياسُ “الحق مع الكثرة والباطل مع القلة”، فلو كان ثلث الأمة لم يبايع عليًّا (عليه السلام)، هو القياس في بطلان البيعة وصحتها، فبيعة أبي بكر باطلة أيضًا؛ لأن كثيرًا من الصحابة لم يبايعوه، ومنهم أهل مكة، ثم هؤلاء الذين لم يبايعوا عليًّا (عليه السلام) كانوا مخطئين بإجماع الأمة.. فما المسوِّغ الذي من أجله تعطى الميزة لأهل الخطأ على أهل الصواب.. هل هو السفه أو التسفيه؟!
قال ابن حجر في (فتح الباري): ((… وذلك أن عليًّا كان إذ ذاك إمام المسلمين وأفضلهم يومئذ باتفاق أهل السنة؛ ولأن أهل الحل والعقد بايعوه بعد قتل عثمان، وتخلف عن بيعته معاوية في أهل الشام ثم خرج طلحة والزبير، ومعهما عائشة إلى العراق …)) [فتح الباري، ج6، ص617]. فهذا ردُّ علماء أهل السُّنة على بعض المتطفلين على الدين وأهله.
قال المحققان “محمد البرزنجي”، و”محمد صبحي”، في “صحيح وضعيف تاريخ الطبري”: ((إن تخلف أحد أعيان الصحابة أو اثنين عن البيعة لا يقدح في إجماع الصحابة على أحقية سيدنا عليّ بالخلافة… وخلاصة القول فإن أهل الحل والعقد من الصحابة، والذين كانوا وقتها في مكة والمدينة قد بايعوا سيدنا عليًّا خليفة رابعًا للمسلمين، وبهم تنعقد البيعة باتفاق أهل السنة والجماعة، وبقية الناس تبعٌ لهم في ذلك)) [صحيح وضعيف تاريخ الطبري، ج3، ص375].
وقال الإمام الأشعري: ((وتثبت إمامة عليّ بعد عثمان بعقدِ مَن عقد له من الصحابة من أهل الحل والعقد؛ ولأنه لم يدّعِ أحدٌ من أهل الشورى غيره في وقته، وقد اجتمع على عدله وفضله)) [الإبانة عن أصول الديانة، ص78].
وقال الحسن البصري: ((والله ما كانت بيعة عليّ إلا كبيعة أبي بكر وعمر)) [منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين، ص77].
وقال الإمام سليمان بن طرخان (المتوفى 143هـ): ((بايع عليًّا أهل الحرمين، وإنما البيعة لأهل الحرمين)) [أنساب الأشراف، ج2، ص208]، يعني بذلك أنهم أهل الحل والعقد آنذاك.
وقال ابن سعد في طبقاته: ((لما قُتل عثمان يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وبويع لعلي بن أبي طالب رحمه الله بالمدينة الغد من يوم قتل عثمان بالخلافة بايعه طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعمار بن ياسر، وأسامة بن زيد، وسهيل بن حنيف، وأبو أيوب الأنصاري، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت، وخزيمة بن ثابت، وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله وغيرهم)). [الطبقات الكبرى، ج3، ص31].
ثم إننا لم نجد من علماء أهل السُّنة من يعزو عدم انعقاد البيعة وبطلانها إلى القلة، وصحة انعقادها إلى الكثرة، بل وجدناهم يصحِّحون البيعة ولو برجلٍ واحد، الأمر الذي نصّ عليه جمع من علمائكم مثل أبي الحسن الأشعري وابن حزم. [انظر: الفِصل في الملل والأهواء والنحل، ج4، ص130]، والإيجي في “المواقف”، والقرطبي في “الجامع لأحكام القرآن”. [الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص269]، وغيرهم كثيرٌ، حيث استدلوا ببيعة أبي بكر، فإن عمر هو الذي بايعه، وببيعة عثمان، فإن عبد الرحمن بن عوف هو الذي بايعه.. قال الإيجي في “المواقف”: ((وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع؛ إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كافٍ، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، ولم يشترطوا اجتماعَ مَن في المدينة، فضلًا عن إجماع الأمة، هذا ولم ينكر عليهم أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا)) [المواقف، ج2، ص590].
فلماذا إذن هذا الهرف بإدخال قياس القلة والكثرة في البيعة؟! هل تريدون أن تنقضوا أصولكم في الخلافة.. أو هو التهريج؟!
فقد أجبناكم عن هذا التهريج في الإشكال ببحثٍ واضح حول القلة والكثرة، واتضح أنها لا قيمة لها، فالبيعة تصح ببيعة رجلٍ واحد من أهل الحل والعقد.
ودعوى أن «الله زكى الأمة، فالخير فيما أجمعت عليه»، يردها: أن هذه التزكية وردت على نحو العموم المجموعي لا الجمعي، كما يؤكد ذلك القرطبي بقوله نقلًا عن ابن عبد البر: ((«خير الناس قرني» ليس على عمومه؛ بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين والمظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقيمت عليهم وعلى بعضهم الحدود)). [الجامع لأحكام القرآن، ج4، ص171].
فبيان القرطبي وابن عبد البر يشي بوجود الفاسقين والعصاة والجناة والبغاة من الصحابة الذين يشكلون عند أهل السنة إجماعًا على الحق، يفرحون به، حسب ما يذهبون إليه من نظريتهم البائسة في عدالة الصحابة!
وأيضًا ورد في سندٍ صحيح عن ابن مسعود أنه قال: ((الجماعة ما وافق الحق، ولو كنت وحدك))، صححه الألباني في تعليقته على مشكاة المصابيح. [مشكاة المصابيح، ج1، ص61].
وجاء عن الفضيل بن عياض قوله: ((عليك بطريق الهدى وإن قلّ السالكون، واجتنب طريق الردى وإن كثر الهالكون)). [الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، للسيوطي، ص152].
وعن ابن القيم في “إعلام الموقعين”: ((اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، فإذا ظفرت برجلٍ واحد من أولي العلم، طالب للدليل، محكم له، متبع للحق حيث كان وأين كان، ومع من كان، زالت الوحشة وحصلت الألفة…)) [إعلام الموقعين، ج3، ص398].
وعليه فإناطة الحق والباطل بالكثرة والقلة هو قياسٌ باطل كما صدحت به البينات الواضحات من القرآن الكريم وكذلك الآثار الواضحة من سلف الأمة…. وبهذا يسقط كل هذا الهرف الذي تغنى به صاحب الإشكال هنا.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.