تفاصيل المنشور
- السائل - أحمد عباس
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 127 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الصلاة من الله عز وجل هل هي مخصوصة لرسول الله صلى الله عليه وآله، أو أنها للأئمة والأولياء والصالحين أيضًا، أي بمعنى أنه: كيف يصح أن نقول: صلى الله عليك يا أبا عبد الله؟
أرجو الجواب والرد، وجزاكم الله خيرًا.
السائل
أحمد عباس
الصلاة من الله عز وجل هل هي مخصوصة لرسول الله صلى الله عليه وآله، أو أنها للأئمة والأولياء والصالحين أيضًا، أي بمعنى أنه: كيف يصح أن نقول: صلى الله عليك يا أبا عبد الله؟
أرجو الجواب والرد، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
في البدء ينبغي الإشارة إلى أنّ تشريع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جاء بالنصّ القرآني في قوله تعالى: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
وقد اتفقت كلمة المسلمين على وجوب هذه الصلاة لصيغة الأمر الواردة في قوله تعالى: {صَلَّوا عَلَيْهِ}، والأمر ظاهر في الوجوب كما هو معلوم من علم الأصول.. قال ابن عبد البر: ((وأجمع العلماء على أنّ الصلاة على النبيّ فرض واجب على كلّ مسلم؛ لقول الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبيّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا})) [فتح المالك بتبويب التمهيد، لابن عبد البر، ج3، ص237].
وعن الآلوسي في “تفسيره”: ((والأمر في الآية عند الأكثرين للوجوب، بل ذكر بعضهم إجماع الأئمة والعلماء عليه، ودعوى محمد بن جرير الطبري أنّه للندب بالإجماع مردودة، أو مؤوّلة بالحمل على ما زاد على مرة واحدة في العمر)) [روح المعاني، ج22، ص81].
ومن الشيعة الإمامية صرّح الشريف المرتضى: ((ومما يدلّ على وجوب الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله فيها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فأمر بالصلاة عليه، وأجمعنا على أنّ الصلاة عليه لا تجب في غير الصلاة، فلم يكن موضع يحمل عليه إلّا الصلاة)) [الناصريات، ص229].
وعليه، فتشريع الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أمر مفروغ منه، سواء قلنا: إنّ وجوبها يختص في حال فريضة الصلاة – كما نقل إجماع الإمامية الشريف المرتضى -، أو أنّها واجبة مطلقًا كما عليه بعض علماء أهل السنّة.
أما كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعند نزول هذه الآية المباركة (آية 56 من سورة الأحزاب) أقبل الصحابة يسـألون النبي عن كيفية الصلاة عليه، وفي هذا الجانب أخرج البخاري وبقية رجال الحديث عن كعب بن عجرة قوله: ((سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإنّ الله قد علمنا كيف نسلّم؟ قال: قولوا: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد. اللهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد)) [صحيح البخاري، ج4، ص118، كتاب بدء الخلق].
وقد تواتر النقل لهذه الكيفية في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اثني عشر صحابيًّا يرويها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والمحدّثون في كتبهم، منهم: أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن مسعود، وأبو مسعود الأنصاري، وزيد بن خارجة وغيرهم … الأمر الذي يشكل معه الاقتصار على الصلاة فيها على النبي دون الآل.
قال العلامة الصنعاني في “سبل السلام”: ((الصلاة عليه لا تتم، ويكون العبد ممتثلًا بها حتى يأتي بهذا اللفظ النبويّ الذي فيه ذكر الآل؛ لأنّه قال السائل: كيف نصلّي عليك؟ فأجابه بالكيفية أنّها الصلاة عليه وعلى آله، فمن لم يأت بالآل، فما صلّى عليه بالكيفية التي أمر بها)) [سبل السلام، ج1، ص305].
وجاء عن ابن الجزري في “مفتاح الحصن” قوله: ((والاقتصار على الصلاة عليه (صلّى الله عليه وسلّم) لا أعلمه ورد في حديث مرفوعًا إلّا في سنن النسائي في آخر دعاء القنوت، وفي سائر صفة الصلاة عليه (صلّى الله عليه وسلّم) العطف بالآل)) [سعادة الدارين، للنبهاني، ص29].
وعن الشوكاني في “فتح القدير”: ((وجميع التعليمات الواردة عنه (صلّى الله عليه وسلّم) في الصلاة عليه مشتملة على الصلاة على آله معه إلّا النادر اليسير، حتى أنّ النووي يرى عدم مشروعية الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وحده ما لم يكن معه آله)) [فتح القدير، ج4، ص380].
وجاء عن الألباني قوله: ((إن القول بكراهة الزيادة في الصلاة عليه (صلّى الله عليه وسلّم) في التشهد الأوّل على (اللهم صلّ على محمد) مما لا أصل له في السنّة ولا برهان عليه، بل نرى أنّ من فعل ذلك لم ينفذ أمر النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) المتقدم: قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد)).
وقال أيضًا: ((ليس من السنّة، ولا يكون منفّذًا للأمر النبويّ من اقتصر على قوله: (اللهم صلِّ على محمد) فحسب، بل لا بدّ من الإتيان بإحدى هذه الصيغ كاملة، كما جاءت عنه (صلّى الله عليه وسلّم)) [صفة صلاة النبي، للألباني، ص129، 133].
وفي هذا السياق، يُلاحَظ بنحو غريب أن هؤلاء الأعلام – كابن الجزري والشوكاني والألباني وغيرهم – حين يصرّحون بأنّ الصلاة البتراء (أي الاقتصار بالصلاة على النبي دون الآل) ليست من السنّة وأنّ الآتي بها لا يكون منفذًا للأمر النبويّ بالصلاة عليه وعلى آله، ومع ذاك تراهم يأتون بالصلاة البتراء في كلماتهم دون الصلاة الكاملة.. ويُعَد هذا النهج ظاهرة للازدواجية الدينية، حيث يقولون ما لا يفعلون، والإفصاح عن ما لا يُنفَذ يُعَد من المقت العظيم عند الله، كما جاء في القرآن الكريم، قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}!!
بقي أن نشير إلى (الآل) المقرون ذكرهم في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
روى أحمد في مسنده وغيره أنّ رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) دعا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين، وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي). [مسند أحمد، ج18، ص244، ح26388، قال حمزة أحمد الزين – المحقق للمسند: إسناده صحيح؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص15، صححه الحاكم، ووافقه الذهبي].
ومن المعلوم في علم البلاغة أنّ تعريف الجزءين يفيد التعيين والانحصار. [يُنظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، ص583، في دلالة تعريف الجزءين على إفادة الحصر والتعيين]. وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا معرّف الجزءين، فـ (هؤلاء) اسم إشارة، وهو من المعارف، و(أهل بيتي) ـ مضاف ومضاف إليه ـ معرفة أيضًا.. فيثبت المطلوب..
قال الفخر الرازي في “تفسيره”: (آل محمد (صلى الله عليه وسلم) هم من يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أنّ فاطمة وعليًّا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشدّ التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل) [تفسير الرازي، ج27، ص166].
فاتضح مما تقدم أن الصلاة مخصوصة بمحمد وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) دون سواهم، وإفراد الإمام الحسين (عليه السلام) بقول “صلى الله عليك يا أبا عبد الله” أو غيره من المعصومين (عليهم السلام) هو بلا شك جزء من صيغة الصلاة الشرعية المقرونة بالصلاة على جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.