تفاصيل المنشور
- المستشكل - يتحفظ على اسمه
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 33 مشاهدة
تفاصيل المنشور
إذا كان الإسلام دين الفطرة، لماذا هناك المليارات من غير المسلمين لا يؤمنون به، علما بأنّ الآباء لا يتدخلون في دين أبنائهم ؟!
المستشكل
يتحفظ على اسمه
إذا كان الإسلام دين الفطرة، لماذا هناك المليارات من غير المسلمين لا يؤمنون به، علما بأنّ الآباء لا يتدخلون في دين أبنائهم ؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
سنجيب على هذه الشبهة بلحاظ أصل موضوعي أشارت إليه وهو كون الإسلام دين الفطرة – وهو كذلك – ، والمراد بالفطرة في المنظور الإسلامي كما يبينّه لنا العلماء والمفسّرون هي تلك الأشياء الموجودة في أصل الخلقة من ماديّة ومعنوية ، ظاهرة وباطنة ، والتي تنطوي عليها الذات البشرية قبل أن تتأثر بالبيئة والمجتمع والتي منها الاستعداد لمعرفته سبحانه والإيمان به ، جاء في ” الميزان ” : (( قال في المجمع الفطر الشقّ عن أمر الله كما ينفطر الورق عن الشجر ، ومنه فطر الله الخلق لأنّه بمنزلة ما شقّ منه فظهر . انتهى ، وقال الراغب : أصل الفطر الشقّ طولا يقال : فطر فلان كذا فطرا وأفطر هو فطورا وانفطر انفطارا – إلى أن قال – وفطر الله الخلق وهو إيجاد الشئ وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال فقوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها إشارة منه تعالى إلى ما فطر أي أبدع وركّز في الناس من معرفته ، وفطرة الله هي ما ركّز فيه من قوته على معرفه الإيمان وهو المشار إليه بقوله : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله . انتهى )) . ( الميزان في تفسير القرآن 10 : 299).
وجاء في تفسير “الأمثل “: (( موضوع ” معرفة الله الفطرية ” لم يختصّ به القرآن الكريم فحسب ، بل هو وارد في الأحاديث الإسلامية بشكل يسترعي الانتباه ، حيث إنّ بعضها يؤكّد على التوحيد بالفطرة ، وبعضها يؤكد على المعرفة … ففي حديث معتبر يرويه المحدّث الكبير الشيخ الكليني في أصول الكافي ، وهو ما نقله عن هشام بن سالم ، قال : سألت الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ما المراد من قوله تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها . . . فقال ” هي التوحيد ” .
كما ورد في الكافي نفسه نقلا عن بعض أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيضا
حين سأله عن تفسير الآية المتقدمة فقال الإمام ( عليه السلام ) ” هي الإسلام ” …
والحديث المنقول عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ” كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى ليكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ” )). ( الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 12: 529)
يبقى السؤال المشار إليه : إذا كان التوحيد والإسلام أمراً فطرياً فلماذا نجد الملايين بل المليارات من الناس ليست على الإسلام بل ليست على التوحيد والكثير منهم ملحدون ؟
الجواب : قد تبيّن لنا ممّا تقدّم أنَّ الفطرة تعني الاستعداد الموجود في داخل الذات البشرية للإيمان بالله ولا تعني جبره على هذا الإيمان ، تماماً كأيّ طفل يولد الآن وهو له الاستعداد بأن يدرس ويتعلّم ويصل إلى أرقى المراتب العلمية فيما لو تهيأت له الظروف المناسبة لذلك ، بينما يولد طفل آخر له الاستعدادات نفسها لكن الظروف المحيطة به حالت دون الحصول على فرصته في التعليم والترقي في مراتب العلم .
فالفطرة في الإنسان لا تعني أكثر من الاستعداد للإيمان بالله ولا تعني الجبر وحتمية الإيمان ، كما لا يعني الاستعداد للتعليم حتمية الحصول عليه والوصول إلى المراتب العليا فيه .
فالإنسان قد يغفل عن هذه الفطرة أو هذا الوجدان الموجود بداخله – الذي يدعوه إلى الإيمان بموجد ومسببٍّ لهذا الكون – بفعل عوامل وحجب مختلفة من : إتباع خاطيء لما عليه الآباء من دون تمحيص ولا تحقيق ( ولا نوافق صاحب الشبهة بأنَّ الآباء لا يتدخلون في دين أبنائهم بل أكثر التدين هو إتباع وتقليد أعمى لما عليه الآباء )، أو شبهات متراكمة ، تحول بينه وبين هذا النداء الوجداني . ولكن عندما ترتفع هذه الحجب و تنقشع هذه الغيوم عن قلب الإنسان تراه يواجه الحقيقة كما هي بدون رتوش ولا غموض .
قد تسأل : ومتى يحصل ذلك بحيث يكون وجدان الإنسان صافيا كالمرآة في الدلالة على الله ؟!
الجواب : يحصل ذلك في أغلب الأحيان عندما تنقطع السبل والأسباب أمام الإنسان في حالات الشدّة والمحنة ، فعندها يسمع نداء الفطرة والوجدان في داخله بكلّ وضوح يطلب المنقذ والمخلّص له من محنته وشدّته ، وليس هذا المنقذ سوى الله ، خالق هذا الكون ، الذي بيده كلّ شيء ، وهو على كلّ شيء قدير .
ولنأخذ بيان هذا الدليل الفطري والوجداني من الإمام الصادق (عليه السلام ) حين يأتي إليه أحد الأشخاص ويقول له : يا بن رسول الله دلّني على الله ما هو ؟
فيقول له الإمام (عليه السلام ) : يا عبد الله ( اسم الشخص السائل )، هل ركبت سفينة قط ؟!
قال : نعم .
قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ، ولا سباحة تغنيك ؟!
قال : نعم .
قال : فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك ؟!
قال : نعم .
قال الإمام الصادق (عليه السلام ): فذلك الشيء هو الله القادرعلى الانجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث. (التوحيد – الشيخ الصدوق – : 231)
ونفس هذا المعنى – أي معرفة الله من خلال الفطرة والوجدان – يرويه لنا طيار أمريكي أثناء الحرب الفيتنامية ، يقول : لم أكن من المؤمنين بالله ، وكنت أسخر كثيراً من الذين يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون ، ولكنني في إحدى الطلعات الجوية في الحرب الفيتنامية عندما رأيت المضادات الأرضية قد أحاطت بي من كلّ جانب وأدركت أنني هالك في أيّ لحظة تصيب هذه المضادات طائرتي ، وجدتني ومن غير شعور مني أصرخ وأنادي : يا الله ، يا الله … وعندما وصلت إلى الأرض بسلام كنت مذهولاً ممّا حصل معي و كيف أنني نطقت بهذا الاسم وأنا لم أكن أؤمن به من قبل .. أدركت حينها بأنّ الله حقيقة راسخة ، وأنّه موجود ، شئنا ذلك أم أبينا .
والمعنى نفسه – من الدليل الفطري والوجداني – ترويه لنا مجلة ( ريد دايجست ) عن أحد رجال المظلات ، عندما سقط بمظلّته أيام الحرب ، يقول : نشأت في بيت ليس فيه من يذكر الله أو يصلّي ، ودرست في مدارس لا توجد فيها دروس للدين ، و نشأت نشأة علمانية مدنية ، لا نعرف فيها للدين مكاناً ، و لكنّي عندما هبطت لأوّل مرّة بمظلّتي ورأيتني اقترب إلى الأرض و المظلّة لم تفتح بعد وأيقنت الهلاك وجدتني أصرخ بكل قوة وأصيح : يا الله ، يا رب .. ولا ادري من أين جاءني هذا الإيمان ، ولا أدري كيف صرخت بهذا النداء ؟!
إذن : الحقيقة الوجدانية تتجلّى في كلّ نفس بشرية ، لا يمكن دحضها أو دفعها مهما حصلت المكابرة من الإنسان في ذلك ، فهو ينزع – لا شعوريا – إلى الاستنجاد بمنقذ له ينقذه من مواطن الخطر والهلاك ، ولا يكون هذا المنقذ سوى الله عزّ وجل .
وهذه الحقيقة الفطرية كان القران الكريم قد كشف عنها في آيات كثيرة منه ، نذكر منها :
– قوله تعالى : ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ).(يونس : 12)
– و قوله تعالى : ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ).(النحل : 53)
– و قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ).(سورة يونس : 22)
ودمتم سالمين