مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

أدلة الإمامة ( العامّة والخاصّة ) من القرآن الكريم

تفاصيل المنشور

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هي الادلة على الإمامة من القرآن الكريم ..نفع الله بكم المذهب وحشركم الله مع محمد وال محمد سلام الله عليهم

السائل

احمد القصير

تفاصيل المنشور

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هي الادلة على الإمامة من القرآن الكريم ..نفع الله بكم المذهب وحشركم الله مع محمد وال محمد سلام الله عليهم

الأخ احمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يوجد عندنا هاهنا مطلبان :

الأوّل : الإمامة العامّة ، التي تعني لزوم تنصيب شخص يتولى قيادة الأمّة وإدارة شؤون المسلمين.

الثاني : الإمامة الخاصّة ، وهي إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) وأنّهم هم الخلفاء المنصّبون من الله عزّ وجل لمنصب الإمامة .

أمّا المطلب الأوّل فقد دلّت عليه آيات قرآنية كثيرة ، نذكر منها قوله تعالى : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }سورة البقرة : 30، قال القرطبي في تفسيره : (( هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع )) .( تفسير القرطبي ج 1 ص 263 )

وأيضا جاء في سورة القصص الآية 5 قوله تعالى : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } .

وقد نصَّ المفسرون – الطبري وغيره – على أنَّ المراد بالذين استضعفوا هم بنو إسرائيل ، والمراد بجعلهم أئمة أي جعلهم ولاة للأمر .

وهكذا توجد آيات قرآنية كثيرة وردت في هذا الجانب يستفاد من بعضها أنَّ هذا المنصب – أي منصب الإمامة – لا يكون إلّا بالجعل والتنصيب الإلهي وليس بالاختيار من الناس ، كما دلّت عليه الآية 30- المتقدّمة – من سورة البقرة ، وكذلك دلّ عليه قوله تعالى في حقّ إبراهيم ( عليه السلام ) : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } سورة البقرة : 124 ، وقوله تعالى : { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } دليل واضح على أنّ الإمامة هي عهد الله وأنّه لا يمكن أن ينالها ظالم ، والمرتكب لأيّ ذنب – مهما صغر شأنه – هو ظالم لنفسه ، وهذا معناه أنّه لا يمكن لغير المعصوم أن يكون إماما ، وهو ما سنبيّنه في دليل الإمامة الخاصّة بإذن الله .

أمّا المطلب الثاني ( الدليل على الإمامة الخاصّة وهي إمامة أهل البيت عليهم السلام ) ، فقد قال تعالى في سورة النساء ، الآية 59: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }.

فهنا في هذه الآية الكريمة نجده سبحانه قد أمر بإطاعته مطلقا ثمّ عطف على إطاعته المطلقة إطاعة رسوله وإطاعة ولاة الأمر ، ومن المعروف في علم الأصول أنَّ من وجبت إطاعته مطلقاً لا بدَّ أن يكون معصوماً ، وإلّا كان ذلك ترخيص من الحكيم العليم بإطاعة المخطيء والعاصي وهو محال في الحكمة الإلهية .

قال الفخر الرازي في تفسيره : (( إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدَّ وأن يكون معصوما عن الخطأ ؛ إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وأنّه محال ، فثبت أنَّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنَّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنَّ أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بدَّ وأن يكون معصوما )).( تفسير الرازي 10: 144)

وهاهنا سؤال : من هم ولاة الأمر المعصومين في الأمّة الذين تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة ؟

الجواب : بيان مجملات القرآن الكريم موكول إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بنصّ قوله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }سورة النحل : 44، كذلك بما ورد من قوله تعالى : { َمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }سورة الحشر : 7.

ومّما بيّنه النبي (ص) لنا وأتانا به هو قوله : ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء،وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ).( صحيح الجامع الصغير للألباني 1: 482، مسند أحمد بن حنبل ، برقم : 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط).

فهنا في هذا الحديث الصحيح الصريح نجد النبي (ص) قد نصّ على كون أئمة العترة الطاهرة هم الخلفاء في الأمّة من بعده وأنّهم معصومون ؛ لأنّ من لا يفارق القرآن ولا يفارقه القرآن لابدَّ أن يكون معصوماً ، وعلى هذا المعنى نصَّ علماء أهل السنّة عند شرحهم لحديث الثقلين :

قال جلال الدين السيوطي في خطبة كتابه (الأساس): ((الحمد لله الّذي وعد هذه الاُمّة المحمّدية بالعصمة من الضلالة ما إن تمسكت بكتابه وعترة نبيّه, وخصَّ آل البيت النبوي من المناقب الشريفة ما قامت عليه الأحاديث الصحيحة بساطع البرهان وجليّه )) .(انظر أوّل كتاب السيوطي : الأساس )

وعن السندي في شرحه للحديث في كتابه ” دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ” : (( وفيه من تأكّد أخبار كونهم على الحقّ كالقرآن وصونهم أبداً عن الخطأ كالوحي المنزل مالا يخفى على الخبير..)) ( دراسات اللبيب: 233)

وعن الدهلوي في “التحفة الاثنا عشرية”: (( هذا الحديث – أي: حديث الثقلين- ثابت عند الفريقين: أهل السنّة والشيعة، وقد علم منه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرنا في المقدّمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمين القدر, والرجوع إليهما في كلّ أمر فمن كان مذهبه مخالفاً لهما في الاُمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال ومذهبه باطل لا يعبأ به ومن جحد بهما غوى ووقع في مهاوي الردى )). انتهى ( مختصر التحفة الاثني عشرية: 52، والدهلوي هو شاه عبد العزيز (1159 – 1239) كبير علماء الهند من أهل السنّة في عصره )

قد يقال : إنَّ أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يستلموا السلطة ما عدا أمير المؤمنين عليّ والحسن ( عليهما السلام ) فهم لا يصحّ أن يكونوا خلفاء في الأمّة ؟

نقول : يجيبنا على هذا السؤال ابن تيمية بأنَّ التنصيب للإمامة لا يعني أن يكون الإمام صاحب سيف يفرض طاعته على الناس بالقوة ، بل يجعله بحيث يجب على الناس إتباعه ، سواء أطاعوه أم عصوه .

قال في ” منهاج السنّة النبوية ” : (( قال تعالى ” وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ” السجدة : 24 ، وقد قال تعالى لإبراهيم : ” إنّي جاعلك للناس إماماً ” البقرة : 124، ولم يكن بأن جعله ذا سيف يقاتل به جميع الناس ، بل جعله بحيث يجب على الناس إتباعه ، سواء أطاعوه أم عصوه )) . انتهى ( منهاج السنّة النبوية 7: 109)

ودمتم سالمين.