تفاصيل المنشور
- السائل - أنور الساعدي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 22 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل يوجد دليلٌ يُثبتُ عدمَ صحة إطلاق لقب “خليفة رسول الله” على أبي بكر.. وتقبَّلوا خالصَ شكري وتقديري.
السائل
أنور الساعدي
هل يوجد دليلٌ يُثبتُ عدمَ صحة إطلاق لقب “خليفة رسول الله” على أبي بكر.. وتقبَّلوا خالصَ شكري وتقديري.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
ورَد في حديثٍ لم يَطعَن فيه أحدٌ من علماء أهل السُّنة أنَّ أبا بكر أقرَّ بأنه ليس خليفةَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما هو “خالِفةٌ” له، فقد جاء في (تاريخ دمشق) لابن عساكر عن ابن عباس، أنه قال: ((أنَّ أعرابيًّا جاء إلى أبي بكر، فقال: أنتَ خليفةُ رسول الله؟ قال: لا. قال: فما أنت؟ قال: أنا الخالِفة بعده، أنا القاعِد بعده)) [تاريخ دمشق، لابن عساكر، ج19، ص497].
وعلى رغم إقراره بأنه ليسَ خليفةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد أكَّد أنه يشغَل منصب (الخالفة)، إلا أنَّ هذا المنصب لا يحمل أيَّ دلالة على الرِّفعة والمكانة، بل هو منصبٌ ذليل ومذموم.
فقد جاءت كلمة (الخالفة) في اللغة لتدلَّ على عدة معانٍ:
1 – المُتَخَلِّفُ عن القوم في الغَزْوِ.
2 – الفاسِدُ الذي لا غَناء عنده، ولا خيرَ فيه.
3 – مَن هو كثيرُ الخِلافِ.
4 – مَن تقعد في دارها من النساء.
5 – مَن يتخلَّف عن القوم في الغزو، قال تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ}.
6 – مَن لا خير فيه، ولا هو نجيب.
7 – مَن يستخلفه الرئيس عَلَى أَهله وَمَا له ثِقَة بِهِ.
وبالنظر إلى هذه المعاني المتنوِّعة، يتَّضح أنَّ كلمة (الخالفة) تحمل في طياتها دلالة قوية على الذَّم، ولا دلالة في أيٍّ منها على المدح.
قال الزمخشري في “الفائق”: ((أبو بكر رضي اللهُ عَنهُ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَنْت خَليفَة رَسُول الله؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَا أَنْت؟ قَالَ: أَنا الخالفة بعده. خلف الخالف والخالفة: الَّذِي لَا غَناء عِنْده، وَلَا خير فِيهِ)) [الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، ج1، ص391].
وجاء عن ابن الجوزيّ في “غريب الحديث”، قوله: ((“قَالَ رجلٌ لأبي بكرٍ: أَنْت خَليفَة رَسُول الله؟ قَالَ: لَا، أَنا الخالفة بعده”. أَرَادَ الْقَاعِد بعده. قَالَ ثَعْلَب: الخالفة الَّذِي يستخلفه الرئيس عَلَى أَهله، وَمَا له ثِقَةٌ بِهِ)) [غريب الحديث، لابن الجوزي، ج1، ص298].
وقال ابن الأثير في “النهاية”: ((وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «جَاءَهُ أعْرابي، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ خَلِيفَة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لَا. قَالَ: فَمَا أنتَ؟ قَالَ: أَنَا الْخَالِفَةُ بَعْدَهُ». الْخَلِيفَةُ مَن يَقُومُ مَقام الذَّاهِبِ، ويَسُدّ مَسَدّه… فَأَمَّا الْخَالِفَةُ فَهُوَ الَّذِي لَا غَنَاء عِنْدَهُ، وَلَا خيرَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْخَالِفُ. وَقِيلَ: هُوَ الْكَثِيرُ الخِلَافُ)) [«النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، ج2، ص69].
وفي “العُباب الزاخر”، يقول الصغاني: ((وفلان خالفةُ أهل بيته وخالف أهل بيته أيضًا: إذا كان لا خير فيه، ولا هو نجيب)) [العُباب الزاخر، ج1/ 405].
وأشار الفيّومي في “فتح القريب”، إلى أنَّ معنى “الخالفة”، هو مَن يتخلَّف عن القوم في الغزو، ومن لا غَناء عنده، ولا خير فيه، فقال: ((جاء أعرابيٌّ إلى أبي بكر الصديق، فقال: أنت خليفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: فأنت الخالفة بعده، اعلم أنَّ الخالفة في اللغة: الذي لا غَناء عنده، ولا خير فيه، وكذلك الخَلف، ومنه قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ})) [فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، للفيومي، ج1، ص758].
فالجواب يخلص إلى: أنَّ أبا بكر بحسب حديث ابن عباس الذي لم يَطعن فيه أحدٌ من علماء أهل السُّنة، أقرّ بأنه ليس “خليفة” رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما هو (خالفة) له، وهذا اللفظ كما ورد في المصادر اللغويّة والحديثيّة، يحمل دلالات سلبية متعدِّدة، منها أنه الشخص الذي لا غناءَ عنده، ولا خير فيه، أو الذي يتخلَّف عن الغزو، أو الذي يكون غير مؤهَّل للخلافة والقيادة، ومن ثَم، فإنَّ إطلاق لقب (خليفة رسول الله) غير صحيح بناءً على حديث ابن عباس الذي أقرَّ فيه أبو بكر بأنه “الخالفة” مِن بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وليسَ الخليفةَ، وهو لفظٌ يحمل في طياته دلالات الذَّم.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.