مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

وهْم التوسل بالعمل دون أهل البيت (عليهم السلام)

تفاصيل المنشور

السؤال

هناك أشخاص من الشيعة يعيشون خارج العراق (لندن) يقولون أن التوسل في قوله تعالى {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} لا يشمل التوسل بأهل البيت (عليهم ‏السلام) بل ينحصر بالأعمال الصالحة، وأهل البيت (عليهم السلام) لم يأمرونا بالتوسل بهم، فلا ‏دليل على التوسل بهم والآية دليل على التوسل بالأعمال الصالحة فقط.‏. فما ردكم جزاكم الله كل خير؟

السائل

الموسوي

تفاصيل المنشور

السؤال

هناك أشخاص من الشيعة يعيشون خارج العراق (لندن) يقولون أن التوسل في قوله تعالى {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} لا يشمل التوسل بأهل البيت (عليهم ‏السلام) بل ينحصر بالأعمال الصالحة، وأهل البيت (عليهم السلام) لم يأمرونا بالتوسل بهم، فلا ‏دليل على التوسل بهم والآية دليل على التوسل بالأعمال الصالحة فقط.‏. فما ردكم جزاكم الله كل خير؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، ‏وهُداة الأنام.‏

إنّ دعوى بعض من ينسبون أنفسهم إلى التشيع، في حصر الوسيلة في قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} بالأعمال الصالحة دون التوسل ‏بأهل البيت (عليهم السلام)، ثم الادّعاء بأنّهم لم يأمرونا بالتوسل بهم، دعوى ساقطة عقلًا، ‏ومردودة نقلًا.

ولنفترض جدلًا أنّ العمل الصالح هو الوسيلة في الآية، لكنّ العمل لا يكون وسيلةً إلّا إذا كان ‏مقبولًا، والقبول مشروط بالتقوى، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. وقال أمير ‏المؤمنين (ع): ((كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَامًا مِنْكُمْ بِالعَمَلِ! فَإِنَّهُ لَنْ ‏يَقِلَّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى، ‏وَكَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ؟)) [معرفة الإمام، ج١٣، ص١٧٥]. فمع الجهل بكون النفس من المتقين، ‏لا يصحّ التوسل بالعمل المشكوك في قبوله.

ثم إنّ العمل الصالح ـ وهو طاعة الله وتقواه، كالصلاة مثلًا ـ له حيثيّتان: الصحة، والقبول. ‏فالصحيح ما استُكملَت أجزاؤه وشرائطه، ولا تجب إعادته. وأمّا القبول، فقد لا يحصل رغم ‏الصحة، كما في الرواية عن الإمام الصادق (ع): ((إنّ من الصلاة لَما تُلّف كما يُلّف الثوب ‏الخَلِق، ويُضرَب بها وجه صاحبها)) [بحار الأنوار، ج٧٩، ص٣٠٧].

فهل يقول المستشكِل في دعائه: “اللهمّ إنّي أتوسّل إليك بصلاتي وبركعاتي، أو بصومي ‏وزكاتي”؟! وهل يتيقّن من ‏قبول أعماله، فضلًا عن تيقّنه من صحّتها؟! وإذا لم يضمن قبولها، فكيف يتّخذها ‏وسيلة؟! فإذا كان يجهل ذلك كلّه، فكيف يتوسّل إلى الله بما لا يعلم حقيقته، ولا يقطع بصحّته، ‏ولا يدري أَرَضِيَ اللهُ به أم لا؟!

أ فمِنَ الجهل أن يُتّخَذ المجهول وسيلة؟! أم من الحُسن أن يُعرض عمّن أمر الله بالتوسّل به، ‏ويُعوّل على عمل لا يُعلَم حالُه؟!

وأمّا زعمه أنّ أهل البيت‏ (عليهم السلام)‏ لم يأمروا بالتوسل بهم، فيُكذِّبه ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قوله: ((نحن ‏الوسيلة إلى الله)) [مرآة الأنوار، ص٣٣١]، وما ورد عنهم (عليهم السلام)، كما عن أمير ‏المؤمنين (عليه السلام)، قوله: ((أنا وسيلته)) [تفسير البرهان، ج١، ص٤٦٩]، وقوله: ((إنّ الأئمّة من آل محمد ‏‏(صلى الله عليه وآله) الوسيلة إلى الله)) [مرآة الأنوار، ص٣٣١]. وفي دعاء الندبة: ((وجعلهم الذرائع إليك، ‏والوسيلة إلى رضوانك)) [جمال الأسبوع، ص٥٥٣]. وفي دعاء عرفة للإمام السجّاد (عليه السلام): ‏((وجعلتهم الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنتك)) [الصحيفة السجادية، ص١٧٢، دعاء ٤٧].

فأين المفرّ من هذه النصوص؟! بل إنكارها بعد هذا البيان لا يخلو من استبطان النَّصب، وإن ‏تزيّا بثوب الغيرة على التوحيد.

والنتيجة: إنّ دعوى حصر الوسيلة بالأعمال الصالحة لا تصمد أمام التحقيق، وهي في حقيقتها ‏تَنِمّ عن عداءٍ دفينٍ لأهل البيت (عليهم السلام)، وإن لبست لِباس الدفاع عن التوحيد.

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.