مركز الدليل العقائدي

ولايةُ العترة الطاهرة جزءٌ لا يتجزأ من الرسالة الخاتمة

تفاصيل المنشور

السؤال

طرح أحدُ المخالفين إشكالًا حول الإمامة، مفادُه:

أن الشيعة يقولون: إن آية التبليغ نزلت لأمرِ النبيِّ بالإبلاغ بولاية عليٍّ، وقال الله له: فإن لم تفعل فما بلغت رسالتك، وهذا يعني أن كل الأدلة السابقة لم تكن إبلاغًا بالإمامة؛ لأنها لو كانت إبلاغًا لما قال الله له: إنه ما بلّغ رسالته لو لم يبلِّغ الآن؟!

السائل

جعفر الصادق

تفاصيل المنشور

السؤال

طرح أحدُ المخالفين إشكالًا حول الإمامة، مفادُه:

أن الشيعة يقولون: إن آية التبليغ نزلت لأمرِ النبيِّ بالإبلاغ بولاية عليٍّ، وقال الله له: فإن لم تفعل فما بلغت رسالتك، وهذا يعني أن كل الأدلة السابقة لم تكن إبلاغًا بالإمامة؛ لأنها لو كانت إبلاغًا لما قال الله له: إنه ما بلّغ رسالته لو لم يبلِّغ الآن؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

أولًا: لا يُشكِل بهذا الكلام إلا مَن أهمل عقلَه، وأسقط نفسه من حساب المفكِّرين؛ إذ لو افترضنا جدلًا – ولا نسلِّم – أنّ الآية لم تنزل في خصوص التبليغ بإمامة عليٍّ (عليه السلام) وولايته، وإنما هي مختصةٌ بتبليغ الرسالة – كما هي عقيدة المخالف – أي بسائر الأوامر الشرعية، من قبيل الأمر بالصلاة والأمر بالصيام والأمر بالحج والأمر بالزكاة إلى غير ذلك من الأوامر والأحكام الشرعية.. فعلى هذا المعنى فإنّ لنا أن نُشكِل على المخالف بإشكاله نفسه، ونقول:

إن كانتِ الآية تقول: يا أيها النبي بلِّغ ما أُنزل إليك من الأوامر الإلهية، وإذا لم تبلِّغ هذه الأوامر، فما بلغت رسالة ربك!! هذا مع ملاحظة أنّ الآية جزءٌ من سورة المائدة التي نزلت قبيل وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي آخر ما نزل من القرآن، أو على الأقل من آخر ما نزل منه.. فهل كلُّ الأدلة السابقة على نزول آية التبليغ منذ بعثته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم نزول هذه الآية، لم تكن تبليغًا بالرسالة لأجل أن الآية قالت: {َإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}؟!!

فهل فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبلَّغ رسالة ربه المشتملة على سائر الأحكام الشرعية قبل نزول هذه الآية أو لم يفعل؟!

جزمًا وحتمًا سيكون جواب المخالف، بل جواب كل مسلم عاقل بالغ: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلَّغ جميع ما أُنزل إليه من الأوامر الإلهية قبل نزول هذه الآية، لا سيما أنها نزلت في أخريات حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان.

‌وهنا يوجَّه هذا السؤال إلى المخالف:

إن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلَّغ جميع ما أُنزل إليه من الأوامر الإلهية وسائر الأحكام الشرعية قبل نزول هذه الآية، فما معنى قوله تعالى: {َإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}؟!!

من المؤكد أن المخالف ومَن على شاكلته سيجد جوابًا، هو ليس إلا تحكمًا محضًا، لا حاصل وراءه.

ثانيًا: أن الآية لم تقل: بلِّغ ما سوف ينزل إليك؛ لأنّ الله هو الذي أنزله؛ لأن الفعل الماضي «أُنزل» هنا حقيقيٌّ على أصله، ولا قرينة تصرفه إلى المستقبل.

وقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، لأن ما أُمر بتبليغه مكملٌ للرسالة وضامنٌ لكلّ ما بلّغه سابقًا، فولاية عترته (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده ليست أمرًا شخصيًّا كما يظنّها المنافقون، بل جزءٌ لا يتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة، وإذا انتفى الجزء انتفى الكلّ، وبدونها تبقى الرسالة ناقصة.

ومن يرجع إلى كتب الحديث والتاريخ يجدها طافحة بالنصوص والآثار الثابتة، والصحيحة، الدالة على إمامة علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولسوف لا يبقى لديه أدنى شك في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يألُ جهداً، ولم يدخر وُسعاً في تأكيد هذا الأمر، وتثبيته، وقطع دابر مختلف التعلُّلات والمعاذير فيه، في كل زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال، على مر العصور والدهور.

وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية، وشتى المضامين البيانية: فعلًا وقولًا، تصريحًا، وتلويحًا، إثباتًا لجانبٍ ونفيًا لجانبٍ آخر، وترغيباً وترهيباً، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره، في تنوعه، وفي مناسباته.

وقد توِّجت جميع تلك الجهود المضنية والمتواصلة باحتفالٍ جماهيري عامٍّ نَصب فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسميًّا عليًّا (عليه السلام) بعد انتهائه (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع في مكان يقال له: «غدير خم»، وأخذ البيعة له فعلًا من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة. [ينظر: الصحيح من سيرة النبي الأعظم، للعاملي، ج٣١، ص١٢٤].

ثالثًا: إنْ قلت: إنّها نزلت في أوّل البعثة، وإنّ النبي صلّى الله عليه وآله خاف أن يبلغ رسالة ربّه فهدّده الله تعالى وطمأنه، كما هو قول ابن كثير وغيره من أعلام أهل السنة. [ينظر: البداية والنهاية، لابن كثير، ج۳، ص٥۳؛ والسيرة النبوية، ج۱، ص٤٦۰].

قلنا: على هذا فالآية {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}، تكون أول أدلة تعيين الإمام علي (عليه السلام) خليفةً من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذ لا يصحّ أن يكون تمّ تبليغ ذلك وإلّا لما صحّ قوله: {وإنْ لَمْ تَفْعَلْ}، ثم تلت ذلك الأدلة تترى على خلافته وإمامته في مواطن عدة.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.