تفاصيل المنشور
- المستشكل - سالم عبد الله
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 40 مشاهدة
تفاصيل المنشور
روي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: (إني لستُ بفوقِ أن أُخطئ ولا آمن ذلك من فعلي) (نهج البلاغة 2/ 201). فأين العصمة التي صدع الشيعة بها رؤوسنا، فهذا كلام إمامهم واضح وصريح.
المستشكل
سالم عبد الله
روي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: (إني لستُ بفوقِ أن أُخطئ ولا آمن ذلك من فعلي) (نهج البلاغة 2/ 201). فأين العصمة التي صدع الشيعة بها رؤوسنا، فهذا كلام إمامهم واضح وصريح.
بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إنّ ما ذكرته من قوله (عليه السلام): ((لست في نفسي بفوق أن أخطيء، ولا آمن ذلك من فعلي))، يوجد فيه تتمة ورد فيها استثناء دال على عصمته، وهو قوله (عليه السلام) بعد هذا الكلام مباشرة: ((إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني))، لكنك بترته لتخرج النص عن سياقه الحقيقي إلى المقصود المنسجم مع مآربك الشخصية.
قال الشيخ محمد عبده في شرحه للنهج: ((يقول لا آمن من الخطأ في أفعالي إلا إذا كان يسر الله لنفسي فعلا هو أشد ملكا مني، فقد كفاني الله ذلك الفعل، فأكون على أمن من الخطأ فيه)). [المصدر السابق، ج2، ص202].
ولإثبات أن الله تعالى كفى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما هو أملك به منه، ومن الخطأ في فعله، نقول:
قال تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، فقد روى الطبري بسنده إلى سعيد بن قتادة، الذي قال عند تفسيره لآية التطهير: ((فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء، وخصهم برحمة منه)). [تفسير الطبري، ج22، ص9]
وعن ابن عطية – فيما أورده المقريزي عنه في فضل آل البيت، وغيره، قال: ((والرجس أسم يقع على الإثم والعذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فاذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت)). [فضائل آل البيت، ص34].
وأمعن النظر في كلماته (عليه السلام) الآتية، حتى تدرك هل كفاه الله من أمره ما هو أملك به منه أو لا!!
فقد قال (عليه السلام): ((“وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، ومنهاج من نبيّ، وإنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً “.. قال الشيخ محمّد عبده في شرحه: اللقط: أخذ الشيء من الأرض، وإنّما سمّى اتّباعه لمنهج الحقّ: لقطاً; لأنّ الحقّ واحد والباطل ألوان مختلفة، فهو يلتقط الحقّ من بين ضروب الباطل)). [نهج البلاغة، تعليق الشيخ محمّد عبده، ج1، ص189].
وقال (عليه السلام) في كلام له وقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد فسكتوا ملياً: ((لقد حملتكم على الطريق الواضح، الّتي لا يهلك عليها إلاّ هالك، مَن استقام فإلى الجنّة، ومَن زلّ فإلى النار)). [المصدر السابق، ج1، ص233]، أي: مَن استقام في الطريق الّذي حملهم (عليه السلام) عليه فإلى الجنّة، ومَن زلّ عن الطريق الّذي حملهم عليه فإلى النار، وهذا المعنى دالّ على العصمة، كدلالة الأحاديث النبوية السابقة الّتي تلوناها عليك.
وقال (عليه السلام) في كلام له لبعض أصحابه: ((فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى، أحملهم من الحقّ على محضه)). [المصدر السابق، ج2، ص64].
وقال (عليه السلام): ((ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعة قط)). (المصدر السابق، ج2، ص171].
وقال (عليه السلام) في خطبته المسمّاة بـ: (القاصعة)، الّتي ذكر فيها قربه من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وملازمته إيّاه منذ الصغر: ((وكان ـ أي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل)). (المصدر السابق، ج2، ص157].
وقال (عليه السلام) من كلام له ينبّه فيه على فضيلته؛ لقبول قوله وأمره ونهيه: ((فو الّذي لا إله إلاّ هو! إنّي لعلى جادّة الحقّ، وإنّهم لعلى مزلّة الباطل)). [المصدر السابق، ج2، ص172].
وقال (عليه السلام) عندما بلغه خروج طلحة والزبير عليه مع السيّدة عائشة وإثارتهم الفتنة ضدّه: ((إنّ معي لبصيرتي، ما لَبستُ ولا لُبس علَيَّ)). [المصدر السابق، ج2، ص30].
فهذه الكلمات والتعبيرات الواردة عنه (عليه السلام) دالّة بكلّ وضوح على أنّه مع الحقّ والحقّ معه، كما أشار إلى ذلك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ووافقه الذهبي على تصحيحه، أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص134].
فالذي لا يفارق القرآن ولا يفارقه طرفة عين أبدا هو معصوم جزما؛ لأن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكذلك يكون شأن من كان القرآن معه دوما وابدا.
وروى الحاكم في مستدركه – أيضاً – في حديث صححه، ووافقه الذهبي عليه، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني)). [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص131].
وايجاب الطاعة المطلقة يوجب العصمة، وهذا مطلب واضح راجع فيه تفسير الرازي (مفاتيح الغيب) عند تفسير قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، حيث قال: ((أن اللَّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر اللَّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ)) [التفسير الكبير، ج10، ص113].
ومن الأدلة على عصمته (عليه السلام) – أيضاً – حديث الثقلين الوارد فيه: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). [صحيح الجامع الصغير، للسيوطي، والألباني، رقم الحديث: 1726- 2458]. وهذا الحديث في الدلالة على العصمة كالحديث الأول.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.