مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

وظيفة الإمام البيان، وليس التشريع في الأحكام

تفاصيل المنشور

الاشكال

نحن نتّبع الرسول في التشريعات وأحكام الدين التي بلغها لنا. طيب، ما هو جديد تشريعات عليّ وأحكامه لكي نتبعكم، ونتشيّع.

المستشكل

محب الصحابة

تفاصيل المنشور

الاشكال

نحن نتّبع الرسول في التشريعات وأحكام الدين التي بلغها لنا. طيب، ما هو جديد تشريعات عليّ وأحكامه لكي نتبعكم، ونتشيّع.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
لم يدّعِ أحدٌ من الشيعة الإمامية أن الإمام عليًّا (عليه السلام) يُشرّع أو شرّع أحكامًا إضافية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، على رغم أنه (عليه السلام) إمامٌ معصوم بالعصمة المطلقة، ومؤيدٌ بروح القدس في عقيدة الشيعة الإمامية؛ لأنه بعد إكمال الدين وإتمام النعمة الإلهية، فإنّ جميع الأحكام الّتي تحتاجها الأمة إلى يوم القيامة ـ وعلى طبق الروايات الكثيرة الّتي قد تصل إلى حد التواتر ـ قد تمَّ تشريعها، ولم يبق مجال لأي تشريع جديد، وبناءً على ذلك فإنّ واجب الإمام المعصوم (عليه السلام) اقتصر على توضيح وتبيين الأحكام الّتي وصلت إليه عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء بدون واسطة أو بالواسطة. [يُنظر: نفحات القرآن، ج١٠، ص٨٢].
فقد جاء في بصائر الدرجات، عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت: جعلت فداك، سمعتك وأنت تقول غير مرة: لولا أنّا نُزاد لأنفدنا، قال: أما الحلال والحرام فقد والله أنزله الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بكماله، وما يزاد الإمام في حلال ولا حرام…)) [بصائر الدرجات، ص116].
وفي هذا النص، يُعبِّر الإمام (عليه السلام) عن أن الله تعالى قد أنزل الحلال والحرام على نبيِّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بكمالهما، وأن الإمام لا يزيد في الحلال والحرام بعد ذلك.
ثم إن الاتباع لا يقف عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب، وإلا فلا معنى لقوله سبحانه: {أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وعليه، فإنّ إطاعة الإمام (عليه السلام) نفس إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه لا يحكي إلاّ سنّة النبي وفعله وتقريره، ويُعدّ اتّباعه اتّباعًا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والمراد من اتبّاع الإمام (عليه السلام) هو أخذ معالم الدين عنه على وفق حديث الثقلين الصحيح الثابت المتواتر المتسالَم عليه المرويّ عن بضعٍ وعشرين صحابيًّا كما في كتاب “الصواعق المحرقة”، الذي جاء فيه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إني تارك أو مخلِّف فيكم الثقلين، أو: الخليفتين، ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) [الصواعق المحرقة، ص136]، وفي لفظ آخر لأحد طرقه الصحيحة: ((إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) [صحيح الجامع الصغير للألباني، ج1، ص482].

فيتبين منهما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك للأمة خليفتين: كتاب الله وعترته أهل بيته. وهذا يعني أن العترة المتروكة هي من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
يستفاد من هذا الحديث دلالات ثلاث:
الأولى: أنّ العترة هم الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الثانية: أنّ العترة تكون هادية مهديّة إلى يوم القيامة، وهذا هو معنى عدم الافتراق عن القرآن كما نصّ عليه علماء أهل السُّنة عند شرحهم للحديث المذكور. [انظر: فيض القدير في شرح الجامع الصغير، للمناوي، ج3، ص20؛ شرح المقاصد، للتفتازاني، ج3، ص529].
الثالثة: استمرار خلافة العترة إلى يوم القيامة، كما نصّ عليه علماء أهل السُّنة أيضًا عند شرحهم للحديث. [انظر: فيض القدير، ج3، ص19؛ الصواعق المحرقة، ج2، ص442].
وعليه، فعليّ (عليه السلام) وباقي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم أعدال القرآن وقرناؤه، فمن اتّبعهم، وأطاعهم فقد أطاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واتّبعه، ومن أطاعه، واتّبعه فقد أطاع الله سبحانه.
وعن قولك: (نحن نتّبع الرسول في التشريعات وأحكام الدين التي بلغها لنا…) فينقضه اتباعك تشريع عمر بن الخطاب لصلاة التراويح جماعة، فأنت وجميع بني نحلتك وأئمة مذهبك ما زلتم تقيمونها على رغم إحاطتكم أنها مما لم ينزل الله سبحانه بها من آية، وليست هي من تشريع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
والسؤال هنا: هل شرّع المولى سبحانه وتعالى صلاة نافلة رمضان جماعة، أي هل جاء بها نصٌّ قرآني أو نبوي بأن تُصلى نافلة رمضان جماعة، أو ثبت أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد صلاها جماعة، ولو مرةً واحدة، حتى نثبت مشروعيتها من فعله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بحيث تترتب عليها أحكام الجماعة الموجودة في الصلاة المكتوبة من حيث الأجر والثواب أو الصحة والبطلان؟!
يُجيبنا علماء أهل السُّنة أنفسهم على هذا السؤال:
قال القسطلاني في “إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري” عند بلوغه إلى قول عمر في قوله (نعمت البدعة هذه): ((سماها بدعة؛ لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يسنّ لهم الاجتماع لها، ولا كانت في زمن الصديق. ولا أوّل الليل، ولا هذا العدد)) [إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري، ج5، ص4].
وجاء عن العيني في “عمدة القاري شرح صحيح البخاري”: ((وإنما دعاها بدعة؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يسنّها لهم، ولا كانت في زمن أبي بكر، ولا رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها)) [عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج6، ص126].
وعن ابن الجوزي في “كشف المشكل من أحاديث الصحيحين”: ((وقوله نعمت البدعة، البدعة فعل شيء لا على مثال تقدم، فسمّاها بدعة؛ لأنّها لم تكن في زمن رسول الله على تلك الصفة ولا في زمن أبي بكر)) [كشف المشكل من أحاديث الصحيحين، ج4، ص116].
وعن ابن الأثير في “النهاية في غريب الحديث”، مادة “بدع” قال: ((..لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَسنَّها لهم، وإنّما صلاها ليالي، ثمّ تركها، ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها، ولا كانت في زمن أبي بكر، وإنّما عمر جمع الناس عليها، وندبهم إليها)) [النهاية في غريب الحديث، ج1، ص107، مادة “بدع”].
وجاء عن ابن شحنة حين ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 33 من تاريخه “روضة المناظر” قوله: ((هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح)) [روضة المناظر، لابن شحنة، ج11، ص122، مطبوع بهامش تأريخ ابن الأثير].
وعن ابن سعد في “الطبقات”، قال في ترجمة عمر: ((هو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان بالتراويح، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة..)) [الطبقات، لابن سعد، ج3، ص218].
فهل بعد هذا تستطيع القول: إنكم تتّبعون الرسول في التشريعات وأحكام الدين؟!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.