مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

وجوب الإجتهاد والتّقليد من القرآن الكريم

تفاصيل المنشور

السؤال

اثبتوا لنا وجوب التقليد بدليل القرآن وهل أنه يوجب الإجتهاد كما يوجب التقليد من حيث أنه إذا وجب التقليد فلازمه وجوب الاجتهاد وما وجه هذه الملازمة إن ثبت ذلك، ثم هل كان في صدر الإسلام اجتهاد وإذا كان فمن المؤكد أن ماهية الإجتهاد في ذلك الوقت غير ماهية الاجتهاد في الحاضر.

السائل

عمار أحمد

تفاصيل المنشور

السؤال

اثبتوا لنا وجوب التقليد بدليل القرآن وهل أنه يوجب الإجتهاد كما يوجب التقليد من حيث أنه إذا وجب التقليد فلازمه وجوب الاجتهاد وما وجه هذه الملازمة إن ثبت ذلك، ثم هل كان في صدر الإسلام اجتهاد وإذا كان فمن المؤكد أن ماهية الإجتهاد في ذلك الوقت غير ماهية الاجتهاد في الحاضر.

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
الدليل على وجوب الإجتهاد والتقليد من القرآن الكريم هو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة، الآية 122].
فهذه الآية الكريمة التي دلّت على وجوب النّفر للتفقّه في الدّين، هذا الوجوب المستفاد من دخول (لولا) التحضيضيّة على الفعل الماضي، فقد أكَّدَ علماء اللُّغة بأنّ (لولا) إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت الحضَّ على الفعل والطلب له، وإذا دخلت على الماضي أفادت التّوبيخ واللَّوم على ترك العمل [انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ج2، ص393].
وهي هنا قد دخلت على الفعل الماضي، فهي تفيد اللّوم والتّوبيخ على ترك النّفر للتفقُّه في الدّين، وهي بهذا المعنى تفيد وجوب النّفر – والنفر في اللغة: هو تجافي الإنسان عن محلّه الذي تواجد فيه، والمراد به في الآية الكريمة: هو الهجرة والسفر لطلب العلم – لأنَّ اللّوم والتوبيخ على ترك الفعل لا يصح إلا إذا كان الفعل واجباً.
فهذه الآية الكريمة دلَّت على وجوب الاجتهاد ـ الذي هو التفقُّه في الدّين ـ وأنّ هذا الوجوب على نحو الوجوب الكفائيّ لا العينيّ؛ لأنّها قالت بأنّ هذا الأمر إنّما يجب على طائفة من كلِّ فرقة، فهو وجوبٌ كفائيّ لا عينيّ.
فهي كما دلَّت على وجوب الاجتهاد دلَّت على وجوب التّقليد أيضاً.
أما وجه الملازمة بين وجوب الاجتهاد ووجوب التّقليد، فهو للملازمة بين إيجاب الإنذار وإيجاب القبول، وإلّا كان التّشريع لغواً.
بيان ذلك: إن قوله تعالى: {وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} يفيد وجوب الإنذار على المتفقِّهين، بمعنى: أنّ على الّذين هاجروا وسافروا إلى طلب العلم والتفقُّه في الديّن يجب عليهم أن يقوموا بمهمّة تحذير قومهم وإنذارهم من عدم الإلتزام بالشّريعة إذا رجعوا إليهم، وهذا الإيجاب للإنذار على المتفقّهين يلزم منه إيجاب قبول إنذارهم من الطّرف الآخر، وإلا كان إيجاب الإنذار بدون إيجاب القبول لغواً وبلا فائدةٍ.
وأما أنّ الاجتهاد في الصّدر الأول للإسلام هي غير الاجتهاد في العصور المتأخَّرة.
فنقول: لا يختلف الاجتهاد في زماننا عن الاجتهاد في الزّمان السّابق إلّا من حيث الصّعوبة والسُّهولة، فإنَّ التفقُّه ومعرفة الأحكام بالدّليل في الصّدر الأوّل لم يكن متوقَّفاً على مقدِّمات كثيرة كما هو الحال في زماننا الحاضر، وإنَّما كان يتوقّف على سماع الحديث فقط، فهو لم يكن متوقِّفاً على تعلُّم اللّغة؛ لكونه من أهل اللّسان، وحتّى لو كانوا من غيرهم ولم يكونوا عارفين باللّغة كانوا يسألونها من الإمام (عليه السلام)، وأمّا حجيّة الظهور واعتبار الخبر الواحد ـ اللّذان هما الرُّكنان في الاجتهاد ـ كانتا عندهم من المسلَّمات، وهذا كلُّه بخلاف العصور المتأخَّرة التي يتوقف الاجتهاد فيها على هذه المقَّدمات ونحوها.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.