مركز الدليل العقائدي

هل يُسأل كلُّ ميت في قبره؟

تفاصيل المنشور

السؤال

لديّ سؤالٌ بخصوص سؤال الميت في القبر: لماذا يُسأل الميت في قبره؟ وهل السؤال يقتصر على غير المؤمن أو يشمله أيضًا؟ وشكرًا.

السائل

محمد أبو جبرائيل

تفاصيل المنشور

السؤال

لديّ سؤالٌ بخصوص سؤال الميت في القبر: لماذا يُسأل الميت في قبره؟ وهل السؤال يقتصر على غير المؤمن أو يشمله أيضًا؟ وشكرًا.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

السؤال بـ “لماذا يُسأل الميت في قبره”، غير صحيح؛ لأنه سؤال عن شأنٍ من شؤون الله عزّ وجلّ، وهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

أما هل يقتصر سؤال الميت في القبر على غير المؤمن أو يشمل المؤمن أيضًا؟ فجوابه:

أكَّدتْ جملةٌ من روايات أئمة الهدى (عليهم السلام) على أن الأسئلة الموجَّهة في القبر لا ‏تعمُّ كل الموتى، بل خصوص طائفتين منهم، وهما:‏

الأولى: هم المتمحِّضون في الإيمان.‏

الثانية: هم المتمحِّضون في الكفر.‏

أما غير هاتين الطائفتين فيبقون في قبورهم دون مساءلة حتى يوم النفخ في الصور.‏

قال الشيخ الصدوق (قده) في “الاعتقادات”: ((اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حقٌّ لا بد منها، فمن أجاب بالصواب فاز برَوْحٍ ورَيْحَانٍ في قبره وبجنةِ نعيمٍ في الآخرة. ومن لم يأت بالصواب فله نُزُلٌ من حميم في قبره، وتصلية جحيمٍ في الآخرة))[الاعتقادات، ص58].

والمستفاد من الأخبار أنّ السؤال في القبر عامٌّ، وأن النعيم والعذاب فيه خاصّان بمن مُحِض ‏الإيمان ‏والكفر، قال الشيخ المفيد (قده) في “أوائل المقالات”: ((ظاهر الروايات الواردة في تلقين ‏الميت ‏عمومُ السؤال لكل ميت ، ففي رواية الشيخ والكليني والصدوق عن أبي عبد الله “عليه ‏السلام”: ‏‏«ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير…»، والمرتكز في ‏أذهان ‏الشيعة من دون خلافٍ بحيث يعدّونه من الضروريات التي يجب اعتقادها: عموم سؤال ‏الملكَين ‏في القبر، حتى إن التلقين الذي يلقِّنونه الميت في القبر يذكرون فيه: وسؤال منكر ونكير ‏في ‏القبر حقٌّ، وحمْله أيضًا على بعض الأموات خلافُ الظاهر. والله العالم)) [أوائل ‏المقالات، ‏ص322].‏

وأما من يُسأل ومن لا يسأل في القبر، ومن يعذَّب ومن لا يعذَّب فيه، فقد أشار الشيخ المفيد ‏(قده) في كتابه “تصحيح الاعتقادات” أنّ ثمة روايات صحيحة عن النبي (صلى الله ‏عليه وآله وسلم) تفيد بأنّ الملائكة تَنزل على المقبَرين، وتسألهم عن دينهم، وتختلف الألفاظ في ‏هذه الأخبار، فمنها أنّ ملكَين يُقال لهما “ناكر ونكير” ينزلان على الميت، ويسألانه عن ربِّه ‏ونبيّه ودينه وإمامه، فإذا أجاب بالصواب فسُلّم إلى ملائكة النعيم، وإن لم يستطعِ الإجابة سُلّم ‏إلى ملائكة العذاب. وفي بعض الروايات يُقال: إنّ الملكَين اللذَين ينزلان على الكافر هما “ناكر ‏ونكير”، واللذين ينزلان على المؤمن هما “مبشر وبشير”؛ وذلك لأنّ الكافر ينكر الحقّ، ويكره ما ‏يأتي به الملَكان، بينما يبشر الملكان ‏”مبشر وبشير”‏ المؤمنَ بالنعيم وبرضا الله وثوابه.‏

وذكر ‏(قده) أنّ الملكَين ينزلان فقط على من مُحض الإيمان أو مُحض الكفر. أما من كان ‏بين هذين، فلا يتعرَّضان له بسؤال أو ثواب وعقاب. ‏[يُنظر: تصحيح الاعتقادات، ص99‏].‏

وفي “المسائل السروية” أشار إلى ورود روايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تؤكد أنّ العذاب في ‏القبر لا يشمل جميع الموتى، بل يختصّ بمن مُحض الكفر، وبالمثل، لا ينعم كلّ الموتى، بل ‏ينعم من مُحض الإيمان محضًا، أما ما سوى هاتين الفئتين، فيُتركون، كما ورد أنّ السؤال في ‏القبر يختصّ أيضاً بهاتين الفئتين فقط.‏

وبالنسبة لكيفية العذاب والنعيم، أشار ‏(قده) إلى ورود الآثار التي تفيد بأنّ الله ‏سبحانه يجعل روح المؤمن في قالبٍ مُشَابِهٍ لجسده في الدنيا في جنة من جنّاته، حيث ينعم حتى ‏يوم القيامة. وعند النفخ في الصور، يُعاد جسده الذي بلي، وتمزّق إلى حالته الأصلية، ثمّ يحشر ‏إلى الجنة ليبقى منعَّمًا دَائِمًا. وجسد المؤمن المعاد لا يبقى على تركيبه في الدنيا، بل يُعَدّلُ ‏طباعه، ويُحسّنُ صورته، فلا يهرم، ولا يمسُّه نصَبٌ في الجنة ولا لغوب.‏

أما الكافر فيُجعل في قالبٍ كقالبه في الدنيا، في محلّ عذابٍ، يُعاقب به، ونار يُعذّب بها حتى قيام ‏الساعة، ثمّ يُنشأ جسده الذي فارقه في القبر، ويعاد إليه، ثمّ يُعذّب به في الآخرة عذاب الأبد. ‏ويركَّب أيضًا جسده تركيبًا يتحمَّل العذاب الأبديّ دون أن يفنى. [يُنظر: المسائل السروية، للشيخ المفيد، ‏ص62].

وبالمجمل، سؤال الميت في القبر لا يقتصر على غير المؤمن، وإنما يشمل المؤمن أيضًا، والله العالم.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.