تفاصيل المنشور
- السائل - كريم المدني
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 68 مشاهدة
تفاصيل المنشور
نقرأ في كثير من آيات القرآن أن الله تعالى يخبر بأنه جعل على قلوب الكافرين أكنة وعلى أبصارهم غشاوة وختم عليها وأنه يصمهم ويعميهم عن الحق ، وقد علمنا – أيضاً – أن الله تعالى لا يجبر أحداً على الكفر ، فما هو توجيه هذه الآيات؟.
السائل
كريم المدني
نقرأ في كثير من آيات القرآن أن الله تعالى يخبر بأنه جعل على قلوب الكافرين أكنة وعلى أبصارهم غشاوة وختم عليها وأنه يصمهم ويعميهم عن الحق ، وقد علمنا – أيضاً – أن الله تعالى لا يجبر أحداً على الكفر ، فما هو توجيه هذه الآيات؟.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
الآيات التي تصف حال الكافرين بقول الله سبحانه: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الأنعام:25]، و{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:7]، و{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7]، لا تعني أنّ الله أجبرهم على الكفر، ولا أنّه منعهم من الهداية منعًا قهريًّا، فإنّ هذا ينافي العدل الإلهي، وقد ثبت في القرآن أنّه سبحانه لا يظلم أحدًا من عباده، فقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصّلت:46].
والمعنى الصحيح لهذه الآيات هو أنّ الله تعالى يصف أثر اختيارهم وإصرارهم على الباطل؛ فحينما يُعرض الإنسان عن الحقّ بعد وضوحه، ويتمادى في العناد والجحود، تكون عاقبته أن يُطبع على قلبه، ويُحرم من نور الهداية. فـ(الختم) و (الأكنّة) و(الغشاوة) هي نتيجة لأفعالهم، لا أمورٌ ابتدائية فُرضت عليهم جبراً وقهرًا. ولهذا قال تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء:155]، أي بسبب كفرهم وإصرارهم عليه.
فالله سبحانه لم يجبرهم على الكفر، ولكن لمّا اختاروا الكفر بإرادتهم، ورفضوا الدعوات المتكرّرة إلى الحقّ، تركهم الله عزّ وجل، ونزع عنهم التوفيق، فصار ذلك كالطابع على قلوبهم، وكالغشاوة على أبصارهم، عقوبةً وعدلًا، وهذا من سنن الله تبارك وتعالى في عباده، فإن من يركب طريق الضلال عنادًا، يجزى بحرمان الهداية.
والنتيجة، أنّ نسبة الختم والأكنّة إلى الله عزّ وجل هي من باب بيان السنّة الإلهية في معاملة المصرّين على الكفر، وأنّهم لمّا أعرضوا وتمادوا، عوقبوا برفع التوفيق عنهم، حتى صاروا كمن لا يسمع ولا يبصر.
وبذلك يرتفع الإشكال، ويبقى الأصل ثابتًا، وهو أنّ الله سبحانه لا يجبر أحدًا على الكفر، بل الناس يختارون طريقهم، ثم تأتي آثار الاختيار عقوبةً أو رحمةً بحسب ما قدّموا.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.