تفاصيل المنشور
- السائل - من الطلبة
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 24 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم، استشكل بعضهم قائلًا: من الغريب عند الشيعة أنهم يعتقدون أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى أُمته بنصائح هو لم يُطبِّقها، فمثلًا أوصى باختيار الصَّديق والصاحب الجيِّد، ولكنهم يُنكرون عليه اختياره لبعض أصحابه، وكذا الأمر في أنه أوصى باختيار المرأة الصالحة، لكنهم ينكرون عليه أنِ اختار عائشة وحفصة زوجتين له؟
السائل
من الطلبة
السلام عليكم، استشكل بعضهم قائلًا: من الغريب عند الشيعة أنهم يعتقدون أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى أُمته بنصائح هو لم يُطبِّقها، فمثلًا أوصى باختيار الصَّديق والصاحب الجيِّد، ولكنهم يُنكرون عليه اختياره لبعض أصحابه، وكذا الأمر في أنه أوصى باختيار المرأة الصالحة، لكنهم ينكرون عليه أنِ اختار عائشة وحفصة زوجتين له؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنّ هذا الإشكال ناشئٌ عن خلطٍ واضح بين الإرادة التشريعيّة والإرادة التكوينيّة، وبين الابتلاء الإلهيّ والتزكية النبويّة، وبين الصحبة الجبريّة والصحبة الشرعيّة. ولو أنصف المستشكل لوجد أنّ مقام النبوة أجلّ من أنْ يُنسب إليه التناقض، ولكنْ دعونا نكشف الحقيقة بميزان العقل والنقل.
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لا يمكن أنْ يخالف وصيّته للأمة في اختيار الصديق الصالح، لكنّ المشكلة تكمن في الفهم الخاطئ لمعنى الصُّحبة. فوجود أشخاص مع النبي لا يعني تزكيته لهم، وقد نصّ القرآن الكريم على وجود منافقين حوله، فقال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101]. فهل يُقال بعد هذا: إنّ مجرَّد الصحبة دليلٌ على العدالة؟! وكيف يكون الأمر كذلك والنبي (صلى الله عليه وآله) حذَّر بنفسه من بعض أصحابه الذين سيرتدّون بعده، قائلًا: «لَيردَنَّ عليّ أقوامٌ من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتُهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» [صحيح البخاري، حديث 6585]؟
أما مسألة الزواج، فالزواج النبويّ لم يكن مبنيًّا فقط على معيار الصلاح، بل كانت هناك عوامل سياسيّة واجتماعية، وهذا واضحٌ في تاريخ الأنبياء. فكما تزوّج نوحٌ ولوط بامرأتين غير صالحتين على رغم كونهما نبيَّين، كذلك اقتضت الحكمة الإلهيّة أنْ يتزوّج النبي ببعض النساء لأغراض تتعلَّق بالمصلحة العليا، وليس بمعنى أنهنَّ كنّ خير النساء. بل إنّ الله سبحانه أنذر عائشة وحفصة، ووبّخهما في كتابه العزيز قائلًا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4]. فكيف يُقال بعد هذا: إنّ مجرَّد الزواج يدلُّ على الصلاح؟! وهل كان نوحٌ ولوط غير ملتزمين باختيار الزوجة الصالحة حينما ابتُليا بامرأتين خائنتين؟!
إنّ وجود أفراد حول النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يعني تزكيته لهم، فقد جعل الله لكلِّ نبي أعداء من شياطين الإنس والجنِّ، كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112]. فهل كان هؤلاء الأعداء جزءًا من اختيار النبيّ أو جزءًا من سُنة الله في الابتلاء؟!
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لا يخالف ما يأمر به، ولكنّ بعضهم يخلط بين ما يقع من باب الامتحان الإلهيّ، وبين ما يكون تزكيةً واختيارًا شرعيًّا. ولو تدبَّر المستشكل القرآن والسُّنة بعين البصيرة، لأدرك أنّ النبي لم يكن في موضع تزكيةٍ لكل مَن صاحبه أو تزوَّج بها، بل كانت سُنن الله تجري على وفق الحكمة والابتلاء، وليس على وفق أوهام التزكية المطلقة التي يدّعيها بعضهم.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.