تفاصيل المنشور
- السائل - ميثم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 42 مشاهدة
تفاصيل المنشور
شخص يصوم ويصلي ويقوم بكافة الأركان لكن لا يؤمن ببعض العقائد المذكورة في القران مثل قصة سبب قتل الغلام في قصة الخضر قال الله تعالى في كتابه (سورة الكهف): ((فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْرا))……..((وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْما)) الكهف.
السائل
ميثم
شخص يصوم ويصلي ويقوم بكافة الأركان لكن لا يؤمن ببعض العقائد المذكورة في القران مثل قصة سبب قتل الغلام في قصة الخضر قال الله تعالى في كتابه (سورة الكهف): ((فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْرا))……..((وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْما)) الكهف.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
الإيمانُ بكتابِ الله هو الإذعانُ الجازمُ بجميعِ ما تضمَّنه من عقائدَ وقصصٍ وأخبارٍ وأحكام، إذ كلُّه حقٌّ من عندِ اللهِ سبحانه، لا يتجزّأ فيه التسليم، ولا يُتصوَّر فيه الانتقاء، قال جلّ شأنه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. فمن قبِل بعضاً وردَّ بعضاً فقد خالف أصلَ الإيمانِ الذي يقومُ على الخضوعِ الكامل للوحي والرضا بحكمِ الله في الغيبِ والشهادة.
وقد عاتبَ اللهُ تعالى بني إسرائيل على هذا المسلك فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85]. ومعناها أنّ الازدواجيةَ في الالتزامِ بأحكامِ اللهِ تعالى من عواملِ السقوط، إذ تدفعُ الأفرادَ إلى التحركِ حولَ محورِ مصالحِهم الآنيّةِ الضيّقة، فيلتزمون بالقوانينِ التي تحفظُ منافعَهم الشخصية، ويتركون القوانينَ النافعةَ للمجتمع. [يُنظر: تفسيرُ الأمثل، ج1، ص288]. فدلّت على أنَّ الإيمانَ الانتقائيَّ لا يُعدّ إيماناً شرعاً، بل هو لونٌ من الكفرِ العمليّ المناقضِ لحقيقةِ التسليم.
وليتأمّلِ المؤمنُ في شؤونِ نفسه، فإنه يمارس في حياتِه أموراً كثيرةً لا يحيطُ بعِلّتها ولا يدركُ وجهَ الحكمةِ فيها، ومع ذلك يُسلِّم بها ثقةً بأهلِ الخبرة، كمن يتناولُ الدواءَ الموصوفَ له دون أن يعلمَ تركيبَ عناصرِه ولا كيفيةَ تفاعلِه في جسده، أو كمن يركبُ الطائرةَ لا يعرفُ كيف تُحلِّق، لكنه يطمئنّ إلى علمِ صانعِها والطيارِ الذي يقودُها.. فإذا كان الإنسانُ العاجزُ عن إدراكِ دقائقِ الأشياءِ في عالمِ المادّة يُسلِّم فيها لأهلِ المعرفةِ المحدودة، أفلا يكونُ أولى به أن يُسلِّم للعليمِ الحكيمِ الذي أحاطَ بكلّ شيءٍ علماً، وأخبرَنا في كتابِه بما يفوقُ مداركَنا؟!
وما وردَ في قصّةِ العبدِ الصالحِ في سورةِ الكهف أنّ اللهَ آتاه رحمةً خاصّةً وعلّمه علماً لدنيّاً، فقال سبحانه: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65]. وعلى مقتضى هذا العلمِ جرى فعلُ قتلِ الغلام، لا عن هوىً ولا جهلٍ، بل عن علمٍ إلهيٍّ بعواقبِ الأمور، إذ قال عزّ وجلّ: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:80-81]. فالقصةُ مظهرٌ من مظاهرِ العلمِ الإلهيّ الذي لا يحيطُ به عقلُ البشرِ المحدود، وهي بيانٌ أنّ سننَ التدبيرِ الإلهيّ، وما يجري على أيدي أوليائِه بإذنه، جارٍ على مقتضى الحكمةِ وإن خفيَ وجهُه عن الأفهام.
ومن صامَ وصلّى وأتى بجميعِ الأركان، ثم ردَّ بعضَ ما أخبرَ اللهُ عزّ وجل به لعدمِ قبوله في ذهنِه أو لقصورِ تصوّره، فقد عرض أصلَ إيمانِه للنقض، لأنّ العملَ لا يُعتدّ به إلا مع التسليم، وإلا كان صورةً بلا روح، والمؤمنُ الحقّ إذا ضاق فهمُه عن بعضِ الآياتِ اتّهم فهمَه ولم يتّهم كتابَ ربّه، وسأل اللهَ الهدايةَ إلى وجهِ الحقّ، كما قال سبحانه: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
والعقلُ الذي تمتدحه الشريعةُ هو الذي يقودُ صاحبَه إلى الخضوعِ لحكمِ اللهِ سبحانه، لا الذي يُقابلُ النصوصَ برأيٍ قاصر، وقد ورد في الحديثِ عن الإمامِ الصادق (عليه السلام): ((العقلُ ما عُبدَ به الرحمنُ واكتُسِبَ به الجِنان)) [الكافي، ج1، ص11]. فملاكُ النجاةِ أن يُسلِّمَ العبدُ لكتابِ الله تبارك وتعالى، ويفوِّضَ علمَ ما خفيَ عليه إلى علّامِ الغيوب، ويطلبَ الفهمَ على أبوابِ الوحي، فإنَّ من سلّم هداهُ اللهُ سبحانه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:11].
والخلاصة، انَّ قصّةَ الخضرِ آيةٌ محكمةٌ من كتابِ الله، شاهدةٌ بالحكمةِ الإلهيّة، يَهتدي لوجهِها من سلّم لحُكمه تبارك وتعالى، وأمّا من ردَّها استبعادًا برأيٍ قاصرٍ فقد هدمَ ركنَ التسليم؛ فلا تُغني حركاتُ الجوارح مع فسادِ الاعتقاد، إذ الإيمانُ إنّما يقومُ على الانقيادِ التامّ لكتابِ اللهِ عزَّ وجلّ.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.