تفاصيل المنشور
- السائل - رابطة العائلة القرآنيّة
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 12 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. بعد اطّلاعي على هذا المقال المنشور على هذا الموقع المبارك أردت أنْ أسال سؤالًا على الخاصّ بدل أنْ أنشر تعليقًا على العامّ حفاظًا على وحدة الصفّ الذي يجمعنا بكم، وهو التشيُّع لأمير المؤمنين عليه السلام واجتماعنا سويًّا لخدمة القرآن الكريم.
وسؤالي هو الآتي: إذا كان ما تفضَّلتم به حول حفص وروايته للقرآن الكريم، ومصاحبته واتِّباعه للأئمة إهل البيت عليهم السلام صحيحتان، فما قولُكم وردُّكم على المقطع الفيديوي المنتشر على اليوتيوب للسيِّد الخوئي قدِّس سرُّه الشريف، وهو يتحدَّث عن حفصٍ، ويقول: إنه كذّاب، ولا يصحُّ الأخذ عنه، ونرجو أنْ يكون الجواب علميًّا معزَّزًا بالأدلة العلميّة.
ملحوظة: يشهد اللهُ تعالى نحن إنما سألنا تفقُّهًا لا تعنُّتا وطلبًا للعلم ليس غير.. وأخيرًا تقبَّلوا وافر الشكر والتقدير.
السائل
رابطة العائلة القرآنيّة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. بعد اطّلاعي على هذا المقال المنشور على هذا الموقع المبارك أردت أنْ أسال سؤالًا على الخاصّ بدل أنْ أنشر تعليقًا على العامّ حفاظًا على وحدة الصفّ الذي يجمعنا بكم، وهو التشيُّع لأمير المؤمنين عليه السلام واجتماعنا سويًّا لخدمة القرآن الكريم.
وسؤالي هو الآتي: إذا كان ما تفضَّلتم به حول حفص وروايته للقرآن الكريم، ومصاحبته واتِّباعه للأئمة إهل البيت عليهم السلام صحيحتان، فما قولُكم وردُّكم على المقطع الفيديوي المنتشر على اليوتيوب للسيِّد الخوئي قدِّس سرُّه الشريف، وهو يتحدَّث عن حفصٍ، ويقول: إنه كذّاب، ولا يصحُّ الأخذ عنه، ونرجو أنْ يكون الجواب علميًّا معزَّزًا بالأدلة العلميّة.
ملحوظة: يشهد اللهُ تعالى نحن إنما سألنا تفقُّهًا لا تعنُّتا وطلبًا للعلم ليس غير.. وأخيرًا تقبَّلوا وافر الشكر والتقدير.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، واللعنُ الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.
إنّ ما ورد في سؤالكم الكريم من حرصٍ على وحدة الكلمة، وحُسن الأدب مع العلماء، وإيثار طريق التفقُّه والبحث عن الحقيقة، لَهو دلالةٌ بيِّنة على صفاء النيّة، وسلامة الطويّة، وحُسن السيرة التي نرجو أنْ تكونوا عليها دائمًا، زادكم الله توفيقًا وسدادًا، وثبّتكم على الولاية الحقّة.
وأمّا ما نُسب إلى علَم الأعلام، ومحقِّق علوم الإسلام، آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدّس الله نفسه الزكيّة)، من القول بكذبِ حفص بن سليمان القارئ، فالحكم في مثل هذه الدعاوى هو الرجوع إلى ما خطّه قلمه الشريف في مدوَّناته العلمية المعتمدة، لا ما يُتناقل في المقاطع المنتزعة التي لا يُدرى حالها ولا يُعرف مآلها، سيّما في هذا العصر الذي كثُرت فيه وسائل التزوير والتلاعب بالصوت والصورة، حتى صار يُنسَب إلى الجليل ما لا يقوله، ويُلفّق على الشريف ما لم يَثبُت عنه.
والحقّ الذي لا مِرية فيه، أنّ السيد الخوئي (قدس سره) ذكر “حفص بن سليمان” في “معجم رجال الحديث”، ونصَّ على أنّه من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وأنه أسند عنه، فقال ما نصّه: ((حفص بن سليمان أبو عمرو: الأسديّ الغاضريّ (الفاخري) المقرئ البزّاز الكوفي، من أصحاب الصادق عليه السلام، أسند عنه)) [معجم رجال الحديث، ج7، ص148].
وهو (قدِّس سره) بذلك ملتزِمٌ بما نقله الشيخ الطوسي (رضوان الله عليه) في كتاب الرجال؛ إذ أورده في عداد أصحاب الصادق (عليه السلام)، وهو نقلٌ اعتمده العلماءُ بعده، كالميرزا النوري في “خاتمة المستدرك”، والعلّامة التفرشي في “نقد الرجال”، والسيد الأمين في “أعيان الشيعة”، والعلّامة المامقاني في “تنقيح المقال”، ولم يُعرف عن أحدٍ من أعلام الطائفة ـ قديمًا وحديثًا ـ الطعن في دينه أو وصْمه بالكذب، كما لم يُنقل عن السيد الخوئي (قدّس سره) في الكتب الرجاليّة أيّ قدحٍ أو تضعيفٍ في حقّه.
وعليه، فإنّ القول بردّ روايته أو اتّهامه بالكذب لا مستند له من كتب الرجال المعتمدة عند الإماميّة، بل هو مخالفٌ لما نصّ عليه المحقّقون، وفي مقدّمتهم السيد الخوئي (قدس سره) نفسه، ولا يُعتدّ بما يُثار خارج هذا السياق من دعاوى لا شاهدَ لها ولا حجّة.
فالمعيارُ الحقُّ هو ما ثبت في مصادر التحقيق، لا ما يُتداول في منصّات التواصل ووسائط الإعلام؛ إذ لا حُجيّة في تلك المقاطع، ولا اعتبار لها ما لم تؤيّدْها النصوص العلميّة المحكَمة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
ملحق تعليق
قد يقال: إن السيد الخوئي (قدس سره) قال في كتاب الصلاة واصفا حفص بن سليمان بالفسق والكذب ما نصه: ((وعليه: فلا ينبغي الريب في عدم كون هذه القراءات متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله ، بل ولا مسندة إليه حتى بالخبر الواحد ، ولم يدع ذلك أحد منهم ، ولا نسب قراءته إليه صلى الله عليه وآله لا بطريق مسند ولا مرسل وإنما هو اجتهاد منهم ، أو من أساتيدهم ورأي ارتأوه ، بل إن هذه القراءات لم يثبت تواترها حتى من نفس هؤلاء القراء وإنما أسند إليهم بأخبار آحاد بتوسيط تلاميذهم ، على أن بعض هؤلاء التلاميذ معروفون بالفسق والكذب كحفص الراوي لقراءة عاصم على ما صرح به في ترجمته)) [كتاب الصلاة، ج3، ص474]
الجواب:
أولًا: إنّ ما ذكره السيد الخوئي (قدّس سره) في كتاب الصلاة لم يكن بصدد بحث رجالي تفصيلي يُراد به الحكم على وثاقة حفص أو فسقه، بل كان في مقام نقد حجية القراءات السبع، وبيان أنها لا تُعد من المتواتر ولا من المسند عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فجاء كلامه في هذا السياق عرضًا، لا تأسيسًا لحكم رجالي. وقد يكون ما نقله (قدّس سره) قد استند إلى تضعيفات مأخوذة من كتب العامة ـ كما هو ظاهر عبارته: ((على ما صُرِّح به في ترجمته)) ـ فلا يكون ملتزمًا به كرأي نهائي، بل ناقلًا لما قيل.
ثانيًا: العمدة في منهج السيد الخوئي (قدّس سره) ـ بحسب ما نص عليه صريحًا في مقدّمة معجم رجال الحديث ـ هو أنّ هذا المعجم هو المرجع العلمي المحرّر، الذي بُذل فيه الجهد لتأسيس علم الرجال على أُسس دقيقة ومنهج محكم، وقد قرّر بنفسه (قدّس سره) أن الاجتهاد في الأحكام الشرعية لا يتم إلا بمعرفة حال الرواة من حيث الوثاقة أو الضعف، فجعل كتابه هذا مرجعًا فاصلًا في هذا الشأن. حيث قال (قدّس سره): ((إن علم الرجال كان من العلوم التي اهتم بشأنه علماؤنا الأقدمون، وفقهاؤنا السابقون، ولكن قد أهمل أمره في الأعصار المتأخرة، حتى كأنه لا يتوقف عليه الاجتهاد، واستنباط الأحكام الشرعية. لأجل ذلك عزمت على تأليف كتاب جامع كاف بمزايا هذا العلم، وطلبت من الله سبحانه أن يوفقني لذلك، فاستجاب بفضله دعوتي ووفقني، وله الحمد والشكر لإتمامه كما أردت - على ما أنا عليه من كبر السن، وضعف الحال، وكثرة الأشغال- ولولا توفيق المولى وتأييده جل شأنه لم يتيسر لي ذلك)).[ الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 1، ص 11.]
ثالثًا: إنّ السيد الخوئي (قدّس سره)، حين ترجم لحفص بن سليمان في معجم رجال الحديث، لم يشر إلى فسقٍ ولا إلى كذبٍ، بل اكتفى بالنقل عن الشيخ الطوسي في كونه من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وأنه أسند عنه، ولم يذكر ما يُشير إلى ضعف أو تضعيف، مع أنّه قد صرّح بفسق بعض الرواة في مواضع أُخر من المعجم، كما في غير واحدٍ من الأسماء. وهذا السكوت في مظانّ التصريح لا يُحمل على الإهمال، بل يدلّ ـ بحسب منهج السيد (قدّس سره) ـ على عدم ثبوت التهمة عنده بدرجة توجب الذكر.
رابعًا: لو فرضنا التعارض بين ما في كتاب الصلاة وما في معجم الرجال ـ وهو تعارض في الظاهر لا في الواقع ـ فإنّ الميزان هو ما تقرر في هذا الأخير، لكونه الكتاب المتأخّر تأليفًا، وقد راجعه السيد الخوئي (قدّس سره) بنفسه مرارًا، كما أشار إلى ذلك، وقال: إنّه “أتمّه كما أراد”، وهذا يعني أنّ ما فيه هو المعتمد والمرجّح عنده في نهاية المطاف، لا سيّما وأنّه الأساس الذي يُبنى عليه التوثيق أو الجرح عند من جاء بعده.
فالنتيجة: أنّ “حفص بن سليمان” لم يثبُت تضعيفه عند السيد الخوئي (قدّس سره) من جهة رجالية، وأنّ ما ذُكر في كتاب الصلاة لا يُعدّ حاكِمًا على ما في المعجم، بل المرجع هو ما في المعجم، وهو الذي يُبنى عليه الحكم الرجالي عند أهل التحقيق، لما له من خصوصية علمية، ومصداقية منهجية، لا سيما بعد مراجعات المؤلف (قدس سره) له وتنقيحه.
وخلاصة القول:
إننا في مقام هذا البيان لا نروم إثبات وثاقة حفص بن سليمان، ولا تصحيح روايته، كما لا نُدافع عن توثيقه بما يتجاوز قواعد التثبت والتحقيق، وإنما أجبنا وفق ما تقرره المباحث الرجالية ووفقًا للمنهج الذي سطّره السيد الخوئي (قدّس سره) بنفسه، وبيّنّا أنّ الاعتماد عند المحققين إنما هو على ما وُثق في المصادر الرجالية العلمية، لا على ما يُقال عرضًا في غير مظانّ الحكم الرجالي.