مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هل عبس الرسول وتولى حينما جاءه الأعمى؟

تفاصيل المنشور

الاشكال

كيف نتبع الرسول ونأخذ بقوله والله قد عاتبه وصحح له بعض افعاله وانزل في ذلك آيات كما في قوله تعالى:(عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) عندما عبس الرسول في وجه ابن ام مكتوم وهو يكلم رؤوس قريش، اذن الرسول يخطئ فليس اهلاً للاتباع.

المستشكل

أيهم

تفاصيل المنشور

الاشكال

كيف نتبع الرسول ونأخذ بقوله والله قد عاتبه وصحح له بعض افعاله وانزل في ذلك آيات كما في قوله تعالى:(عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) عندما عبس الرسول في وجه ابن ام مكتوم وهو يكلم رؤوس قريش، اذن الرسول يخطئ فليس اهلاً للاتباع.

الأخ أيهم المحترم، تحية طيبة

أولاً: الآية لا تدل صراحة على أنّ المخاطب هو شخص النّبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أنّ العبوس ليس من صفاته مع أعدائه، فكيف به مع المؤمنين المسترشدين! ووصف التصدّي للأغنياء والتلهي عن الفقراء ممّا يزيد المنع تأكيداً، فهذا الفعل ليس من أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، التي وصفها الله سبحانه وتعالى بالعظمة، فقد أكد ذلك الوصف مرتين في آية واحدة، فأكده بـ(إنَّ)، وأكده بـ(اللام) في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، ومما يزيد الأمر وضوحاً أن هذه الآية نزلت قبل سورة عبس، ومما لا شك أنه يلزم التنافي بين الآيتين إن قيل بتوجه الخطاب في الآية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يعقل أن يعظم الله تعالى خُلق رسوله في أول بعثته ثمّ يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمّه على عمله مع ابن أمّ مكتوم؟!

كما أنّ ترجيح غنى الغني على كمال الفقير قبيح عقلا ومناف لكريم الخلق الإنساني ولا يحتاج الى تشريع نهي للاجتناب عنه، الأمر الذي لا يقدم على فعله عاقل من البسطاء فكيف ينسب فعله إلى سيد العقلاء وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم؟!

وقد ورد عن أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم ما يدفع الشبهة في مورد السؤال، وبينوا عليهم السلام أن الآيات قد نزلت في رجل من بني أمية، وبعض الروايات قد صرحت باسمه أيضاً. [راجع: تفسير القمي ج2، ص405، وتفسير البرهان ج4، ص427 و428، وتفسير نور الثقلين، ج5، ص508 و509، ومجمع البيان ج10، ص437].

والروايات التي تحدثت عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي عبس في وجه ابن أم مكتوم إنما رواها غير الشيعة، وقد طرحها الرازي، معللاً ذلك بأنها أخبار آحاد، وبأنها تخالف القواعد العقلية [لاحظ: عصمة الأنبياء، للرازي، ص108]

ثانياً: (العبوس، والتلهي، والتصدية، وعدم الاهتمام بالتزكية) مضامين لا تتناسب مع حديث القرآن الكريم عن شخصية النبي صلى الله عليه وآله. كما أن العبوس في وجوه الفقراء من المؤمنين والتلهي عنهم بالتصدي للأغنياء يتنافى مع رأفته ورحمته التي وصفه الله سبحانه وتعالى بها في كتابه الكريم فقال عزّ من قائل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، بل أن صدور الصدود من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المؤمنين لازمه المعصية، لأنه مأمور باستقبالهم والتواضع لهم في قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215].

وظاهر قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} أنَّ المعنيَّ بهذه الآيات شخص دأبه التصدي للأغنياء وعدم الاهتمام بتزكيتهم وهذا مخالف صريح لقوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]

ووصفه عزّ وجلّ بخلق الرحمة ولين الجانب، ونفى عنه ما يقابلهما من سوء الأخلاق، فقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]..

ثالثاً: لو فرضنا جدلا صحة نزول قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1-2]، في معاتبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه صح ما رواه المفسرون أنّ عبد الله بن أُمّ مكتوم الأعمى أتى رسول الله وهو يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأُبيّاً وأُمية ابني خلف، يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم؛ فقال عبد الله: اقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله، فجعل ينادي ويكرّر النداء ولا يدري أنّه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنّما أتباعه العميان والسفلة والعبيد، فعبس صلى الله عليه وآله وسلم وأعرض عنه، وأقبل على القوم الذين يكلّمهم، فنزلت الآيات، وكان رسول الله بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه يقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي. [أسباب النزول للواحدي: 252]، ويقول: هل لك من حاجة، واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين. [مجمع البيان: 10/437 وغيره من التفاسير].

لكن اللافت للنظر قول الراوي: (وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنّما أتباعه العميان والسفلة والعبيد، فعبس صلى الله عليه وآله وسلم وأعرض عنه)، وأحسب أن كل عاقل سيقف بروية عند قول الراوي (وقال في نفسه)، فيعلن شكوكه ويتساءل عن كيفية وقوف الراوي على ما خطر في نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟! الأمر الذي يدل على أنها أقصوصة مختلقة، باطلة فى أصلها وفصلها، وأكذوبة خبيثة فى جذورها وأغصانها، واتخذ أعداء الإسلام منها سلاحاً للطعن فى عصمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذريعة إلى عدم اتباعه.

وهذا التساؤل يؤكده تساؤل آخر حول نوع الخطأ الذي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!

فان قيل: أنه أخطأ لمّا تصدى للأغنياء.

قلنا: من البداهة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتصدى لهم لغناهم، بل لكونهم رؤساء أقوامهم وساداتهم، فإن دخلوا للإسلام تبعهم في ذلك جميع أقوامهم فيأمن المسلمون وينتشر الإسلام ليبلغ أبعد مدياته.

إذن فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان في مقام الدعوة إلى الله عزّ وجلّ وكان قاصدا هداية جماعة من عَلِيّة القوم راجياً بذلك هداية أُناس كثيرين تبعاً لهم، لذلك أعرض عن الرجل الأعمى، غير أنّ اللّه تعالى يُريد لرسوله أعلى مستوى من الخُلق، ومن أجل ذلك عوتب صلى الله عليه وآله وسلم.

فسياق الآيات يمثل دليلاً على عظمة شأن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا على تحجيم مقامه وإظهاره بمظهر المذنب كما فهمه بعضهم، فالقرآن المعجز قد حدد لنبيّ الإسلام أرفع مستويات المسؤولية، حتى عاتبه على عدم اعتنائه اليسير برجل أعمى، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان في مقام الدعوة إلى الله، وهو مما يدلل على أنّ القرآن الكريم كتاب إلهي وأنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، صادق فيه، إذ لو كان الكتاب من عنده – كما يزعم المناوؤن للإسلام – فلا داعي لإستعتاب نفسه.

كما يمثل السياق – أيضاً – دليلاً على أن الوحي لا يكاد يفارق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحظة واحدة إلا وأبلغه أمر الله تعالى ونهيه في مطلق الأحوال، سواء في تبليغ الدين وتشريع الأحكام أو غيرها من الأمور العامة الخارجة عن إطار التشريع والتبليغ كقصة الرجل الأعمى هذه، إذ ليس المقام فيها مقام تشريع أحكام أو تبليغ دين الله – كما هو واضح، ومع ذلك أنزل الله سبحانه وحيه على رسوله صلى الله عليه وآله، فما بالك فيما لو كان في مقام التشريع وتبليغ أحكام الدين؟! وهذا مما لا شك يكون أكثر مدعاة إلى اتباعه والانقياد إليه لا العكس كما يزعم صاحب الشبهة.