مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هل صعوبة فهم القرآن تدلّ على أنّه ليس للناس جميعًا؟

تفاصيل المنشور

السؤال

ما دام أكثر الناس يعجزون عن الفهم الصحيح لآيات القرآن، فكيف يُحتجّ عليهم بالقرآن؟ فهذا حقيقة يوحي أنه نزل لجماعة خاصة تفهمه لا لكل الناس.

السائل

خالد

تفاصيل المنشور

السؤال

ما دام أكثر الناس يعجزون عن الفهم الصحيح لآيات القرآن، فكيف يُحتجّ عليهم بالقرآن؟ فهذا حقيقة يوحي أنه نزل لجماعة خاصة تفهمه لا لكل الناس.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيحَ الظلام، وهداةَ الأنام.

دعوى أنّ القرآن الكريم لا يُفهم إلا من فئةٍ مخصوصة، وأنّه مُغلقٌ على عامّة الناس، دعوى لا تستقيم مع نصوصه ولا مع سنّة إنزاله.

فإنّ تعثّرك في فهم بعض الآيات لا ينهض حجّةً على انسداد باب الفهم على الناس كافة، إذ التجربةُ الشخصيّة لا تُعمَّم، كما أنّك تجد من الآيات ما تفهمه بوضوح، ويجد غيرك من العلم واللغة والسياق ما يفتح له ما استعصى عليك. والقرآنُ ـ بنصّه ـ دستورُ الهداية العامّة، أنزله اللهُ سبحانه للناس أجمعين، فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة:185]. فلو كان فهمه موقوفًا على فئةٍ بعينها لكان الأمرُ بالاهتداء به تكليفًا بما لا يُطاق، وحاشا الحكيمَ سبحانه أن يكلّف بما لا يُفهم ولا يُدرَك.

وعلى هذا النهج خاطب الجميع بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82]، ولم يخصّ العلماء دون غيرهم؛ لأنّ أصلَ التدبّر متيسّر، ثم تتفاوت مراتبه بتفاوت الملكات والاستعدادات.

وهذا المعنى تشهد له سيرةُ التنزيل؛ فقد نزل القرآنُ الكريم في بيئةٍ يغلب عليها طابعُ البساطة، لا جامعات فيها ولا معاهد، ومع ذلك تحدّاهم ربُّ العالمين بالإعجاز والبيان، وطلب منهم الإتيانَ بمثله أو بسورةٍ من مثله. ولو كان مغلقًا عليهم من حيث الفهم لكان الاعتراضُ الأوّل أن يقولوا: كيف نتحدّى بكتابٍ لا نفقه معانيه؟ ولم يُنقل ذلك عنهم؛ بل شهدوا في نفوسهم بسطوة بيانه، وإن جحدته ألسنتهم.

ومن هنا جاء التصريحُ بالتيسير: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]، و{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان:58]، و{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]. والتيسيرُ هنا أصلٌ عام، يُثبت إمكانَ الفهم والهداية، ثم تبقى طبقاتُ المعاني ودرجاتُ التدبّر في الآيات على قدر القابليات والملكات.

نعم، في القرآن محكمٌ ومتشابه، وناسخٌ ومنسوخ، ومجالاتٌ تحتاج إلى مزيد بيان؛ ولهذا جعل اللهُ عزّ وجلّ أهلَ البيت (عليهم السلام) عدلَ الكتاب وترجمانَه، يردّون المتشابه إلى المحكم، ويُقيمون القواعد في الفهم الصحيح، وقد وصلنا من بيانهم الشيء الكثير. فمن رام الغوص في الأعماق استضاء بأنوارهم، ومن قصد الهدايةَ العامّة وجدها ـ بفضل الله ـ ميسّرةً لكل قارئٍ ومتدبّر.

وخلاصةُ القول، إنّ القرآن الكريم كتابٌ مفتوحٌ للناس كافة من حيث أصلُ الفهم والاهتداء، وهو حجّةٌ على الجميع، ثم تتفاوت مراتبُ الإدراك بحسب القابليات والملكات. ومن أراد الكمالَ في الفهم فطريقُه الرجوعُ إلى أهل البيت (عليهم السلام) وقواعدهم، وبذلك يلتئم الأمر ولا تعود شبهةُ الانسداد قائمة.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجبين.