تفاصيل المنشور
- السائل - أبو محمد الباقر
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 19 مشاهدة
تفاصيل المنشور
جاء في كتاب بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار – الصفحة ٤٤٢: حدثنا موسى بن عمر عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك، سمّى رسولُ الله صلى الله عليه وآله أبا بكر الصدِّيق؟ قال: نعم، قال: فكيف قال حين كان معه في الغار؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينةَ جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالةً، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنك لتراها؟ قال: نعم، فتقِدر أنْ تُرينيها؟ قال: ادنُ مني، قال: فدنا منه، فمسح على عينيه، ثم قال: انظر، فنظر أبو بكرٍ، فرأى السفينة، وهي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصورِ أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدَّقتُ أنك ساحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت.
مضمون الحديث في أعلاه دلالةٌ على أن أبا بكر كان في الغار، وأنه هو الصديق!! ما حكم الرواية من ناحية المتن والسند؟
السائل
أبو محمد الباقر
جاء في كتاب بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار – الصفحة ٤٤٢: حدثنا موسى بن عمر عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك، سمّى رسولُ الله صلى الله عليه وآله أبا بكر الصدِّيق؟ قال: نعم، قال: فكيف قال حين كان معه في الغار؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينةَ جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالةً، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنك لتراها؟ قال: نعم، فتقِدر أنْ تُرينيها؟ قال: ادنُ مني، قال: فدنا منه، فمسح على عينيه، ثم قال: انظر، فنظر أبو بكرٍ، فرأى السفينة، وهي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصورِ أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدَّقتُ أنك ساحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت.
مضمون الحديث في أعلاه دلالةٌ على أن أبا بكر كان في الغار، وأنه هو الصديق!! ما حكم الرواية من ناحية المتن والسند؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
بالنسبة للروايةِ المذكورة في كتاب بصائر الدرجات، هناك عدةُ نقاط يجب النظر فيها من ناحية المتن والسند:
من ناحية المتن:
1 – متن الرواية: صرَّحتِ الرواية أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأبي بكر: “الصدِّيق أنت”، بعد أنْ خطر في ذهن أبي بكر أنَّ النبيَّ ساحرٌ، كما هو واضحٌ من سياق الرواية بعيدًا عن التأويل أو التفسير، فقد نصَّتِ الرواية أنَّ أبا بكر قال في نفسه: ((الآن صدّقتُ أنك ساحر))، فتبِعه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، له: ((الصدِّيق أنت))، مما يوحي أنَّ النبي قال هذا القول على سبيل التهكُّم، كما وضّح ذلك العلّامة المجلسي في “بحار الأنوار” [ج18، ص109]. وهذا التفسير يجعل الرواية في إطار الاستهزاء بموقف أبي بكر، وليس في إطار الثناء عليه أو منْحِه لقب “الصدِّيق”.
مفهوم التهكُّم: الرواية استعملت لفظ “الصدِّيق” في موقفٍ يُفهَم منه السخْرية، وليس إشادةً بأبي بكر، وهو ما يُفهم من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أنْ شك أبو بكر في صدْق نبوَّته.
بالنتيجة: مَن يُريد الاستدلال بهذه الرواية لإثبات فضل أبي بكر، وأنه كان مع النبيِّ في الغار، يلزمه أيضًا قبول أنَّ أبا بكر قد شكّ في نبوَّة النبيِّ، واعتبره ساحرًا، الأمرُ الذي يؤسِّس للقول بعدم إسلامه.
2 – من ناحية السَّنَد:
الرواية ضعيفةٌ؛ لأن “خالد بن نجيح” من الغُلاة حسب قول الكشّي، والغلاة هم فرقةٌ منحرفةٌ تُتَّهم بالغلوِّ في العقائد، مما يضعِّف الرواياتِ المنقولةَ عنهم، وأنَّ كثيرًا من علماء الرجال مثل العلّامة الحلي، وابن داود، ومحمد طه نجف، والبهبودي اعتبروا خالدًا من الضعفاء. حتى مع الإشارة إلى أنَّ هناك رواياتٍ تَذكر أنه قد تراجع عن الغلوِّ، إلا أنَّ تلك الروايات نفسها ضعيفةُ السنَد، مما يُبقي على تصنيف الكشّي له بأنه ضعيفٌ بلا معارض قويٍّ، فقد قال الكشّي: ((خالدٌ من أهل الارتفاع، أيْ من الغلاة، وفي بعض الروايات يظهر منها أنّه رجع عن الغلوِّ إلى العقيدة الصحيحة، إلّا أنّها ضعيفة السنَد، فيبقى قول الكشّي فيه بلا معارضٍ؛ لذا عَدّهُ من الضعفاء كلٌّ من العلّامة، وابن داود، والجزائري، ومحمّد طه نجف، والبهبودي)). [الضعفاء من رجال الحديث، للساعدي، ج1، ص528].
النتيجة:
لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لإثبات أنَّ أبا بكر هو “الصدِّيق” أو لإثبات وجوده مع النبي في الغار؛ إذ إنَّ الرواية ذاتُ طابعٍ تهكُّمي، ولا تُظهر مدحًا لأبي بكر بقدر ما تشير إلى شكّه في نبوَّة النبي، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ ضعف السنَد يجعل الرواية غير صالحة للاحتجاج بها في إثبات الحقائق.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.