تفاصيل المنشور
- المستشكل - راشد عبدالله
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 21 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لماذا أبوبكر وعمر وعثمان لم يحرفوا القرآن بعد وفاة النبي كما حرف اليهود والنصارى كتبهم بعد وفاة انبياءهم ؟؟؟
المستشكل
راشد عبدالله
لماذا أبوبكر وعمر وعثمان لم يحرفوا القرآن بعد وفاة النبي كما حرف اليهود والنصارى كتبهم بعد وفاة انبياءهم ؟؟؟
الأخ راشد المحترم، السلام عليكم ورحم الله وبركاته
لقد تكفّل المولى سبحانه بحفظ القرآن الكريم من الزيادة والنقصان ، كما يفيده ظاهر قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}سورة الحجر:9 ، وعلى ذلك تصافقت أقوال المفسّرين من علماء الفريقين ، لهذا لم تنجح أيّ محاولة لتحريفه من حيث الزيادة والنقيصة والتلاعب بالألفاظ .
يقول الطبري في تفسيره : (( يقول تعالى ذكره : إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن ، وإنا له لحافظون قال : وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه ، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه . والهاء في قوله : له من ذكر الذكر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل )) .( تفسير الطبري 14: 11)
وقال ابن كثير في تفسيره : (( وتكفل تعالى حفظه بنفسه الكريمة فقال تعالى ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” )) .( تفسير القرآن العظيم 2: 68 )
وقال القرطبي في تفسيره : (( قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر ) يعنى القرآن . ( وإنا له لحافظون ) من أن يزاد فيه أو ينقص منه . قال قتادة وثابت البناني : حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلا أو تنقص منه حقا ، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا)). ( الجامع لأحكام القرآن 10: 5)
وعن السيد الطباطبائي في الميزان : (( ولكون الذكر من أجمع الصفات في الدلالة على شؤون القرآن عبر عنه بالذكر في الآيات التي أخبر فيها عن حفظه القرآن عن البطلان والتغيير والتحريف كقوله تعالى : ” إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” حم السجدة : 42 فذكر تعالى ان القرآن من حيث هو ذكر لا يغلبه باطل ولا يدخل فيه حالا ولا في مستقبل الزمان لا بابطال ولا بنسخ ولا بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريته عنه .
وكقوله تعالى : ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” الحجر : 9 فقد اطلق الذكر وأطلق الحفظ فالقرآن محفوظ بحفظ الله عن كل زيادة ونقيصة وتغيير في اللفظ أو في الترتيب يزيله عن الذكرية ويبطل كونه ذكرا لله سبحانه بوجه )) . ( تفسير الميزان : 12: 106)
وعن السيد الخوئي في البيان في تفسير القرآن في مورد ردّه على القائلين بوقوع التحريف في القرآن ، قال : (( والحقّ . بعد هذا كلّه أنَّ التحريف ” بالمعنى الذي وقع النزاع فيه ” غير
واقع في القرآن أصلا بالأدلة التالية :
الدليل الأول – قوله تعالى :
” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون 15 : 9 ” .
فإنَّ في هذه الآية دلالة على حفظ القرآن من التحريف ، وأن الأيدي الجائرة
لن تتمكن من التلاعب فيه .والقائلون بالتحريف قد أولوا هذه الآية الشريفة ، وذكروا في تأويلها
وجوها )).
ثمَّ ذكر قدّس سرّه الوجوه التي ذكرها البعض في تأويل الآية على غير ظاهرها وبيّن فسادها كلّها ( انظر : البيان في تفسير القرآن : 207 )
أمّا كيف حفظ الله القرآن الكريم من وقوع التحريف فيه من حيث الزيادة والنقيصة والتغيير في الألفاظ ؟ هل لما فيه من إعجاز ذاتي من حيث البلاغة والعلوم التي جاءت فيه التي أعجزت العرب عن مجاراته فامتنع الآخرون من إضافة شيء إليه أو حذف شيء منه لأنه سيكتشف أمر الزيادة والنقيصة فورا ، أو لعامل الصرفة ، أي صرف الله العباد بقدرته عليهم على أن يزيدوا أو ينقصوا منه شيئاً ؟
ذهب إلى كلٍّ جماعة ، ولا يهمنا الآن الخوض في هذا البحث بقدر ما يهمنا اتفاق أغلب المسلمين -إن لم يكن جميعهم – على تكفّل المولى سبحانه بحفظ القرآن من الزيادة والنقيصة والتغيير في الألفاظ .
ولكن رغم ذاك كانت هناك محاولات من البعض – كعمر بن الخطاب وغيره من الصحابة – لاضافة آيات مزعومة رفض بقية الصحابة أن يدرجوها في كتاب الله العزيز حين تدوين المصحف الشريف .
فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس : أنَّ عمر قال وهو على المنبر :
(( إن الله بعث محمدا – ص – بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها ، وعقلناها ، ووعيناها . فلذا رجم رسول الله – ص – ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال . . . ثم إنّا كنا نقرأ فيما نقرأ ، من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو : إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم . . . )) .( صحيح البخاري 8: 26 باب رجم الحبلى من الزنا )
قال السيوطي : (( إن عمر أتى بآية الرجم – إلى زيد بن ثابت – فلم يكتبها ، لأنّه كان وحده )) . ( الاتقان 1: 101)
ودعوى أنّها كانت ممّا نسخ تلاوته وبقي حكمه لم يقبلها العلماء ، قال القرافي في نفائس الأصول : (( إن ذلك لم يكن قرآنا، ويدلّ عليه : أنّ عمر رضي الله عنه قال: “لولا أن يقول الناس: إن عمر زاد في كتاب الله شيئا، لألحقت ذلك بالمصحف”، ولو كان ذلك قرآنا في الحال، أو كان ثم نُسخ، لما قال ذلك)). ( نفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي 3: 276)
وهذه الآية المزعومة هي بنفسها تكشف عن نفسها بأنّها ليست من القرآن الكريم ، لما فيها من الركاكة في الألفاظ والخلل في المعنى، فالوارد من ألفاظها هكذا : (( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة ، نكالا من الله ، والله عزيز حكيم )).( مجمع الزوائد للهيثمي 6: 6)
قال الجزري في كتابه “الفقه على المذاهب الأربعة” في التعليق على ذلك : (( إنني لا أتردد في نفيه ؛ لأنَّ الذي يسمعه لأوّل وهلة ، يجزم بأنّه كلام مصنوع ، لا قيمة له بجانب كلام الله ، الذي بلغ النهاية ، في الفصاحة والبلاغة . فضلاً عن كونه لا ينتج الغرض المطلوب ؛ فإنّ الرجم شرطه الإحصان ، والشيخ في اللغة من بلغ سن الأربعين ؛ فمقتضى هذا : أنّه يرجم ، ولو كان بكراً لم يتزوج ، وكذا إذا زنى الفتى ، وهو في سن العشرين مثلاً ، وهو متزوج ؛ فإنّه لا يرجم ! ! . . فمثل هذه الكلمة لا يصح مطلقا أن يقال : إنّها من كتاب الله . . )). ( الفقه على المذاهب الأربعة 4: 259)
وليس هذا وحده ممّا حاول أن يضيفه عمر بن الخطاب للقرآن الكريم فباءت محاولته بالفشل ، بل هناك محاولات أخرى ذكرها المصنّفون في كتبهم ، فقد ذكر عبد الرزاق الصنعاني في مصنّفه عن ابن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال: همّ عمر بن الخطّاب : أن يكتب في المصحف : أن رسول الله ضرب في الخمر ثمانين . ( انظر المصنف 7: 380 )
كما توجد محاولات أخرى لغيره من الصحابة كعائشة أرادوا أضافة آيات للقرآن الكريم وهي ليست منه كآية الرضعات العشر ، وكلها باءت بالفشل لما تقدّم من تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظ هذا القرآن العظيم من أن يتلاعب به أحد .
قد يقال : إنّ آية الرجم – المتقدّم ذكرها – رواها محدّثوا الشيعة أيضا عن أئمتهم ، كما في الكافي (7: 177) وصححوها ؟
الجواب : توجد عند الشيعة الإمامية في الأخذ بالأحاديث ضوابط تختلف عن غيرهم ، فهم لا يوجد عندهم مقولة : إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي ، كما يقول إمام أهل السنّة الشافعي ( كما في المجموع للنووي 1: 92) ، أو أنّه يلزم الأخذ بكلّ ما جاء في الصحيحين البخاري ومسلم ، كما هو المشهور عن علماء أهل السنّة ، بل توجد عندهم جملة من الضوابط للأخذ بالروايات عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ذكروها في كتبهم الأصولية والحديثية ، نشير إليها مختصرا هنا : فالرواية الحجّة عندهم – وإن كانت صحيحة السند – هي التي لا تخالف القرآن الكريم بنحو التباين ، ولا تخالف العقل القطعي ، ولا تخالف الحقائق العلمية الثابتة ، ولا تخالف المسلمات في الشريعة ،ولا تخالف ثوابت المذهب ، ولا تكون صادرة للتقية ، ولا تكون معارضة لرواية أخرى من الروايات الصحيحة المروية عندهم ، وإذا كان لها معارض هل هو من النوع المستقر أو غير المستقر ، وإذا كان من نوع غير المستقر هل يمكن جمعه جمعا عرفيا أو لا ، والمستقر هل توجد له مرجحات في المقام أو لا .. فهذه المراحل كلها على الرواية اجتيازها حتى تكون حجّة ويأخذ الشيعة الإمامية بها.. ففي الروايات عام وخاص ومطلق ومقيد ونص وظاهر ومجمل ومبيّن وغير ذلك ممّا تجب ملاحظته قبل الأخذ بالرواية والاحتجاج بها .
وبما أنّ الرواية المذكورة – محلّ الكلام – التي تشير إلى وجود آية الرجم في القرآن الكريم وهذا مخالف لظاهر القرآن الكريم ( لعدم وجود آية من هذا النوع فيه )، وقد ورد عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) لشيعتهم بأن يعرضوا رواياتهم على كتاب الله فما وافق كتاب الله فليأخذوا به وما خالفه عليهم أن يردوه ( كما في الوافي للفيض الكاشاني 1: 293 وغيره ) ، فهذه الرواية لا يمكن الأخذ بها ، وقد صرّح السيد الخوئي – في كتابه مباني تكملة المنهاج بمرجّح آخر لطرحها ورفضها وهو : أنها وردت تقية ؛ لأنّ الأصل في آية الرجم هو عمر ، وهذا ممّا يعتقد بثبوته الكثير من علماء أهل السنّة ، بل صرّح بعضهم بتواتره ( كما عن ابن عبد الشكور في فواتح الرحموت ، بهامش المستصفى 2: 73)، لذا يكون صدورها عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من موارد التقيّة .( انظر مباني تكملة المنهاج للسيد الخوئي 1: 196 ) . ودمتم سالمي