مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هل تعارضت مشيئة الله عزّ وجل مع تنصيب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)؟!

السائل

راشد المطاولة – الاردن

تفاصيل المنشور

السؤال

تزعمون أن الإثـنـى عـشـر الـمـزعـومـيـن مـنـصَّـبـيـن مـن عـنـد الـلـه وأن زمـام الـعـالـم بـأيـديـهـم ولـهـم ولايـة تـكـويـنـيـة تـخـضـع لـسـيـطـرتـهـا جـمـيـع ذرات الـكـون!!!

فـلـمـاذا تـعـارضـت مـشـيـئـة الـلـه سـبـحـانـه وتـعـالـى وقـدرتـه مـع الـتـنـصَّـيـب الإلـهـي الـمـزعـوم والـولايـة الـتـكـويـنـيـة الـسـبـئـيـة الـمـزعـومـة الـتـي تـخـضـع لـسـيـطـرتـهـا جـمـيـع ذرات الـكـون وعـاشـوا مـظـلـومـيـن عـاجـزيـن ومـقـهـوريـن حـيـث لا سـلـطـان ولا قـدرة ؟؟؟!!!

الأخ راشد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

توجد مغالطة في سؤالكم منشأها تفسير المشيئة الإلهية بالجبر ، فحين فسّرتم مشيئة الله بالجبر وقعتم فيما وقعتم فيه من هذا الخطأ في السؤال .

ولتوضيح هذا المطلب باختصار نقول : إنَّ مشيئة الله سبحانه في أفعال العباد لا تكون على نحو الجبر مطلقاً ؛ لأنّ ذلك ينافي الاختيار في التكليف ؛ إذ يقبح من المولى سبحانه أنّ يشرّع الأحكام ويسنّ السنن ثمّ يأتي للعباد بما ينافيها ، فإذا منح الله سبحانه نبيّاً من أنبيائه أو إماماً منصَّباً من قِبِله قدرة على التحكّم في الظاهرة الكونية – الذي هو معنى الولاية التكوينية – كما في منحه القدرة لنبيّه سليمان ( عليه السلام ) على التحكّم بالريح : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أو التحكّم بالمعادن كالنحاس : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ }سورة سبأ : 12 ونحو ذلك من القدرات ، فهل يصحّ منه سبحانه – بعد هذا – أن يجبر الناس على الإيمان بنبوته ويسلب الاختيار منهم ؟!

إن قلتم : نعم ، فقد كفرتم بالقرآن الكريم الذي يقول : { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }سورة الكهف :29. وكذلك كفرتم بقوله تعالى : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }سورة البقرة :257.ونحو ذلك العشرات من الآيات الدالة على أنّ الإنسان مختار في إيمانه وكفره ولا يوجد جبر من الله في أفعاله .

وإن قلتم لا ، بطل إشكالكم من أساس .

ولعدم الجبر مع التنصيب الإلهي للنبوة أو الإمامة ذهب ابن تيمية ، قال في ” منهاج السنّة ” : (( قال تعالى ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُون ” السجدة : 24 ، وقد قال تعالى لإبراهيم : “إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ” البقرة : 124، ولم يكن بأن جعله ذا سيف يقاتل به جميع الناس ، بل جعله بحيث يجب على الناس إتباعه ، سواء أطاعوه أم عصوه )) . انتهى ( منهاج السنّة النبوية 7: 109)

هذا كلّه في أصل المغالطة عندكم .. أمّا كون أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) هل هم أئمة منصّبون فعلاً من الله أم هي دعوى مخترعة ( أو سبئية على حدّ قولكم ) ؟

الجواب : تعرّضنا أكثر من مرّة إلى بيان تنصيبهم الإلهي وفي أجوبة كثيرة يمكنكم مراجعتها على موقعنا هنا، ويكفينا أن نذكر هذا الحديث الشريف الصحيح الصريح بكونهم الخلفاء في الأمّة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حيث قال (ص) : ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي ،وأنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) ( صحيح الجامع الصغير بتصحيح الألباني ، حديث رقم 2457 ، مسند أحمد بن حنبل ، برقم : 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط ).

فهذا الحديث الشريف نصّ في خلافة العترة الطاهرة من بعده ، وقد جاء في أحاديث صحيحة أخرى – روتها كتب أهل السنّة قبل الشيعة – بيان عددهم وصفاتهم ، ومقتضى الجمع بين أحاديث رسول الله (ص) الصحيحة هذه يتعين لنا المراد من الخلفاء في العترة الطاهرة وتشخيصهم بأسمائهم ، راجعوا أجوبتنا في هذا الجانب على الموقع .

وأمّا كونهم ( عليهم السلام ) قد مُنحوا ولاية تكوينية فعلاً ، فموضوع الولاية التكوينية – التي تعني التصرف في الظاهرة الكونية خلاف نظام العلّية المتعارف – صدح به القرآن الكريم في آيات كثيرة منه ، أشرنا إلى بعضها فيما يتعلّق بنبي الله سليمان ( عليه السلام ) ، وقد منح الله سبحانه القدرة لنبيّه عيسى ( عليه السلام ) على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، كما منح غيرها من القدرات لغيره من الأنبياء والأولياء ، وهي سواءً سُميت معاجزا أو كرامات أو غير ذلك ، فهي كلّها بمعنى واحد إذ تفيد التصرّف بالظاهرة الكونية خلاف نظام العليّة المتعارف .

وكذلك ادّعى هذه القدرة على التصرّف في الظاهرة الكونية خلاف نظام العليّة المتعارف أهل السنّة لرموزهم ، فهاهو السخاوي يخبرنا في كتابه ” التحفة اللطيفة ” عن إطاعة العناصر الأربعة ( الماء والهواء والتراب والنار ) لعمر بن الخطاب ، قال في ترجمته لعمر بن الخطاب : (( وترجمته تحتمل مجلدا ضخما وممن أفردها الذهبي في نعم السمر في سيرة عمر وقد أطاعته العناصر الأربع فإنه كتب لنيل مصر وقد بلغه أن عادته أن لا يوفي إلا ببنت تلقى فيه فقطع الله من كتابه هذه العادة المذمومة ، والهواء حيث بلغ صوته إلى سارية والتراب حين زلزلت الأرض فضربها بالدرة فسكنت والنار حيث قال لشخص أدرك بيتك فقد احترق )) . انتهى ( التحفة اللطيفة 2: 337)

وبهذا اللحاظ إذا ادّعى الشيعة الإمامية لأئمتهم ( عليهم السلام ) قدرات من هذا النوع منحها الله سبحانه لهم فلا يحقّ لأحد الاعتراض على ذلك ؛ لأنَّ حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد من هذه الناحية .

يبقى الإجابة عن أصل الإشكال ويمكن صياغته بهذا الشكل : إذا صحّ ما تقولونه من منح الله سبحانه لأئمتكم هذه القدرات على التصرّف في الظواهر الكونية فلماذا عاشوا مقهورين مظلومين ولم يتمكنوا من استلام الحكم والتغلب على مناوئيهم ؟

الجواب : تقدّمت الإجابة على هذا السؤال في أوّل كلامنا بأنّ هذه القدرات الممنوحة لأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما هي ممنوحة للأنبياء في هذا الجانب مشروطة بأن لا تكون في المجال المنافي لسلب الاختيار من الناس في التكليف ، وقد مرّ عن ابن تيمية بيان هذا المعنى بأنّ تنصيب الأئمة لا يعني أن يكون عند الإمام سيفا يحارب به الناس ليجبرهم على طاعته بل جعله بحيث يجب على الناس إتباعه ، سواء أطاعوه أم عصوه.

ودمتم سالمين.