تفاصيل المنشور
- السائل - رابطة الكتّاب
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 45 مشاهدة
تفاصيل المنشور
في القرآن نقرأ الآية 47 من سورة الحج أن اليوم عند الله ألف سنة، وفي الآية 4 من سورة المعارج أنه خمسين ألف سنة! فهل اليوم عند الله ألف سنة أم خمسين ألف سنة؟!
السائل
رابطة الكتّاب
في القرآن نقرأ الآية 47 من سورة الحج أن اليوم عند الله ألف سنة، وفي الآية 4 من سورة المعارج أنه خمسين ألف سنة! فهل اليوم عند الله ألف سنة أم خمسين ألف سنة؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
قد يظنّ البعض أنّ بين قوله تعالى في سورة الحج: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، وبين قوله في سورة المعارج: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4]، تعارضًا أو تناقضًا، لأنّ الأولى تذكر ألف سنة، والثانية تذكر خمسين ألفًا، ولكنّ التدبّر في السياق يُبيّن أنّ كلا الآيتين في مقام مختلف، ولا تناقض بينهما.
ففي آية سورة الحج، الخطاب موجّه إلى من يستعجلون العذاب ويستثقلون تأخّره، فجاء البيان بأنّ ما يراه الناس طويلًا جدًّا (كألف سنة) لا يُعدّ طويلًا عند الله عزّ وجل، فالآية هنا تقرّب المعنى إلى أذهان البشر، فالله سبحانه منزَّه عن أن يثقل عليه الزمن، فهو المحيط بالزمان، لا يجري عليه زمان ولا يتأثّر بمقاديره. [يُنظر: تفسير البيان، للشيخ الطوسي، ج7، ص226-227].
فالمعنى أنّ وعد الله آتٍ لا محالة، وإن طال في أعينكم، فالألف سنة عندكم كاليوم الواحد عند الله سبحانه.
وأمّا آية سورة المعارج، فهي في مقام بيان هول يوم القيامة، وطول الموقف على الكافرين، إذ يُصوَّر شدّة ذلك اليوم بأنّه كمقدار خمسين ألف سنة مما يحسبه الناس.. والقرآن كثيرًا ما يعبّر عن الأمور الغيبية بما يقربها إلى الأذهان، فجاء هنا بذكر العدد الكبير ليصوّر عِظَمَ الشدّة وطول الموقف، لا ليجعل يوم القيامة محسوبًا بدقّة حسابيّة زمنية، ولذلك قال في موضع آخر: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} {المدثر:9 ـ 10].
والنتيجة، أن الألف سنة في آية الحج جاءت لطمأنة المؤمنين بأنّ تأخّر العذاب أو النصر ليس لطول عند الله سبحانه، بل هو قريب نافذ في وقته.
والخمسون ألف سنة في آية المعارج جاءت لترهيب الكافرين وبيان عِظَم يوم القيامة وثقله عليهم.
والله سبحانه منزَّه عن أن يُقاس بالزمان، فهو خالق الزمان والمكان، والآيتان إنّما تذكران مقادير زمنية لتقريب المعنى إلى عقول البشر، فتارة لتخفيف وطأة طول الانتظار، وأخرى لتهويل موقف الحساب.. فلا تناقض، بل لكلٍّ منهما مجال ومقام.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.