مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هل العقل لوحده قادر على قيادة الانسان في الاتجاه الصحيح؟

المُستشكل = فاضل محسن

الإشكال = الدقة في خلق الإنسان والكون تشير إلى خالق حكيم لكن افتراض أن الخالق موجود في كل شيء في الحياة هل يعني ذلك شيئا معقولا؟

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

قبل الإجابة بشكل مباشر على هذا السؤال لابد من بيان الخلفية الفكرية التي ينطلق منها السائل، حيث يتضح من خلال السؤال أن السائل ينتمي إلى اتجاه يسمى بالربوبية وهو نمط من التفكير يسلم بوجود إله خالق لهذا الكون بما فيه من قوانين إلا أنه لا يسلم بوجود أديان تشكل نوعاً من التواصل بين الإنسان وبين الخالق، أي أنهم يصدقون بوجود الله ويكذبون وجود الرسل، وعليه فهم لا دينيون من ناحية وليسوا ملحدين من ناحية أخرى، وبحسب تعريف روبرت س. سولمون Robert C. Solomon ، الأستاذ في جامعة تكساس فإنّ الربوبية هي «الاعتقاد بضرورة وجود إله خلق العالم بكل قوانينه، ولهذا يقبل مذهب الربوبية، عادة، بصورة من صور الدليل الكوني ولكنه يؤكد، مع ذلك، على عدم وجود تبرير عقلي للاعتقاد بأن الله يولي اهتماماً خاصاً بالإنسان والعدالة الإنسانية، ويرفض أي صفات تشبيهية نضفيها على الذات الإلهية، كذلك الاعتقاد بالقصص التوراتية حول الإله” وقد برز هذا المذهب في عصر التنوير الذي حدثت فيه ردة عنيفة اتجاه الكنيسة وتعاليمها، فكان هو الخط الاخر الموازي لخط الإلحاد، بل قد يمثل المخرج الذي يلجا إليه الإلحاد عندما تحاصره الأدلة القطعية بوجود الله تعالى، مثل ما فعل عالم الإلحاد المعاصر أنطوني جيرارد نيوتن فلو (1923م – 2010م) الذي اشتهر بكتاباته في فلسفة الأديان، والتي أصل فيها للإلحاد حتى بات من اعظم منظريه، وقد ألف في ذلك أكثر من ثلاثين كتاباً، غير أنه وفي آخر حياته تراجع عن كل ذلك وألف كتاباً تحت عنوان (هناك إله)

ويبدو أن من العوامل المؤثرة في نشوء مثل هذا التفكير هو عدم تمكن المسيحية واليهودية من تقديم تفسير واضح ومنضبط للقضايا المحورية التي تواجه الإنسان، مثل خلق تصور واضح لدور الأديان في حياة الإنسان، أو تقديم فلسفة متماسكة تكشف عن غاية وجود الإنسان ضمن تصور الأديان، وغير ذلك من المسائل التي تباينت حولها المدارس المسيحية واليهودية مضافاً للتفسيرات الخرافية والاسطورية التي لا يمكن مقاربتها عقلياً، ومن هنا لابد من الإشارة إلى اننا لا نقصد بالإجابة الدفاع عن دين محدد وإنما نحاول أن نستدل على ضرورة وجود تواصل بين الله وبين الإنسان عبر الرسل، وقد افرد علم الكلام الإسلامي مساحة واسعة لأثبات ضرورة الأنبياء والرسل، إلا أننا لا نعرض في هذه العجالة ما تم ذكره هناك من الأدلة، وإنما سوف نناقش الأمر من نفس الزاوية التي تطرق لها السؤال.

يقول السائل أن الدقة في خلق الإنسان والكون تشير إلى خالق حكيم، إلا أن الحِكمة التي أشار إليها لا تكون مفهومة مالم يكن وجود الإنسان جاء ضمن خطة لها اهداف وغايات، ومن البديهي أن يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد المسؤول عن هذه الأهداف والغايات، لكونه الوحيد الذي يعي وجوده ووجود من حوله من المخلوقات، فالإنسان هو الذي يجد للحكمة معنىً ويجد لوجوده حِكمة، وفي الاتجاه الاخر الإنسان ليس عقل مجرد وإنما هناك نوازع أخرى في الإنسان لها علاقة برغباته وشهواته وميوله الشخصية، ومن هنا كان النزاع الذي يعيشه كل انسان في أعماق نفسه ضرورة يفرضها التباين بين خيارات العقل وخيارات النفس، الأمر الذي يهدد وصول الإنسان لغاياته وأهدافه التي خلق من أجلها وبالتالي ضياع الحِكمة من وجوده، وعليه فان القول أن العقل لوحده قادر لقيادة الإنسان في الاتجاه صحيح قول صحيح إذا كان الإنسان عقل مجرد عن الهوى والشهوات، وهذا غير واقعي لان الإنسان كائن مركب من عقل ومن شهوات، وعليه لا يستغني العقل عن تذكيره الدائم بأهدافه السامية وغاياته العليا وفي النفس الوقت تذكيره بالمخاطر والعقبات التي تعترض طريقه، وهذا هو ذاته ما يقوم به الأنبياء والرسل، ومن هنا كانت رسالة الإسلام قائمة على التذكير والتنبيه، وبذلك لا يمكن أنفهم الأديان بوصفها سلطة فوقية فرضت على الإنسان بالشكل الذي تصادر قدراته وخياراته، وإنما هي مجرد ارشاد للإنسان لما فيه صلاحه، فالله موجود في كل شيء في الحياة ليس بمعنى أنه يلغي إرادة الإنسان وشخصيته وإنما موجود في كل شيء لكونه يمثل الحق والقيم والفضيلة في كل فعل يقوم به الإنسان.

وعليه فان مهمة وجود رسالة نابع من كون الإنسان لا يستغني من تذكيره الدائم بما يجب أن يكون عليه، مضافاً إلى الإنسان لا يمكنه أن يرسم غايات وجوده من تلقاء نفسه، لكون الأمر يتوقف على نوع من العلم التفصيلي والواقعي بالإنسان والحياة وكل ما في الوجود وهذا مالم يمكن أن يدعيه عاقل، وعليه لابد أن يكون لله رسالة تكشف للإنسان الطريق الذي يجب أن يسير عليه.

ودمتم سالمين