مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هل الحزن والبكاء على الحسين عليه السلام اعتراض على قضاء الله وقدره؟!

تفاصيل المنشور

السؤال

هل ترضون بالقضاء والقدر، إن قلتم: نعم، فلماذا تحزنون وتبكون على الحسين (رضي الله عنه)، مع أنّ الحزن والبكاء اعتراض على قضاء الله وقدره !؟

السائل

عصام أبو قمر

تفاصيل المنشور

السؤال

هل ترضون بالقضاء والقدر، إن قلتم: نعم، فلماذا تحزنون وتبكون على الحسين (رضي الله عنه)، مع أنّ الحزن والبكاء اعتراض على قضاء الله وقدره !؟

الأخ عصام المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

البكاء على الميت هو حالة طبيعية من حالات الطبع البشري، فالإنسان مجبول على الاستجابة لغرائزه وعواطفه ومنها البكاء، فالبكاء يخفف من لوعة المصاب، ويطفئ غائلة الخطب، وقد دلّ الدليل الشرعي على مشروعيته ومشروعية الحزن من الكتاب والسنة، يقول تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}. [يوسف: 85]. قال الطبري في تفسيره: ((وقوله: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا}، يقول: حتـى تكون دنف الـجسم، مخبول العقل، وأصل الـحرض: الفساد فـي الـجسم والعقل من الـحزن أو العشق)). [جامع البيان، ج16، ص221].

وجاء عن الزمخشري في “الكشاف” أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل جبرائيل: “ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلى. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط”.

وعلّق على الحديث قائلا: “فإن قلت كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟، قلت: إنّ الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حمد صبره، وأن يضبط نفسه حتّى لا يخرج إلى ما لا يحسن، ولقد بكى رسول الله على ولده إبراهيم، وقال: القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون. [تفسير الزمخشري، ج2، ص497-498].

كما بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الشهداء من صحابته، فقد روى البخاري في صحيحه، قال: “صعد رسول الله (ص) المنبرـ وذكر واقعة مؤته، وقال: لقد أخذ الراية زيد بن حارثة وأصيب، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب وأصيب، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحه وأصيب، ثم بكى رسول الله ودموعه تذرف على خديه”.[صحيح البخاري، 1407، كتاب فضائل الصحابة ].

وبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) على ابن عمه جعفر بن ابي طالب وأمر بالبكاء عليه وقال: “على مثل جعفر فلتبك البواكي”. [راجع: تاريخ الطبري، ج3/ص39، الاستيعاب، ج1/ص243].

وكذلك بكى (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمّه حمزة يوم استشهد في أحد، وأمر بالبكاء عليه لما سمع بكاء الانصار على قتلاهم وقال: “لكن حمزة لا بواكي له”. [مسند احمد، ج2/ص40].

والبكاء على الحسين (عليه السلام) هو سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والشيعة يتّبعون سنّة سنته (صلى الله عليه وآله) في هذا المورد، فقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث صحيح رواه كبار علماء أهل السنّة كابن حجر في تهذيب التهذيب [2:301]، والمزي في تهذيب الكمال [6 :409]، والطبراني في المعجم الكبير [3: 108]، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق [14: 193], والسيوطي في الخصائص الكبرى [ص125]، وغيرهم، كما في رواية الطبراني:  حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عباد بن زياد الأسدي ، نا عمرو بن ثابت عن الأعمش عن أبي وايل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت:  كان الحسن والحسين (رضي الله عنهما) يلعبان بين يدي النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيتي فنزل جبريل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وضمه إلى صدره، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: ريح كرب وبلاء. قالت: وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة. ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوما تحولين دما ليوم عظيم. [المعجم الكبير 3: 108].

فهذا الحديث يؤكد تأثر النبي (صلى الله عليه وآله) وحزنه وبكاؤه على ولده الحسين (عليه السلام) وهو يعلم أنّه سيد شباب أهل الجنة، لما ثبت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله:” الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”. [مسند أحمد ج3/3، 62، 64، 82، سنن الترمذي ج5/656 رقم 3768، مستدرك الحاكم ج3/167، الإصابة ج2/12]. ونقل المنّاوي عن السيوطي، قوله: إنّ هذا الحديث متواتر. [فيض القدير، ج3/415].

وفي خصوص الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) يقول ابن كثير الدمشقي: “فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته …”. [البداية والنهاية، ج8/ص221].

فنحن نحزن ونبكي على الحسين (عليه السلام) كما حزن وبكى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكما فعل ذلك على عمه حمزة، وعلى ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأمر بالبكاء عليهما.

فالحزن والبكاء على الميت أو الشهيد لو كان بمثابة الاعتراض أو هو الاعتراض بعينه على قضاء الله وقدره – بحسب كاتب الشبهة – للزم أن يكون النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم أول المعترضين على قضاء الله وقدره ببكائه وحزنه على ولده ابراهيم وعمه حمزة وابن عمه جعفر وسبطه الشهيد الحسين بن علي عليهما السلام، ولكان أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالبكاء على عمه حمزة وابن عمه جعفر أمر بالاعتراض على قضاء الله وقدره، وهذا ما لا يقول به مسلم موحد.

فبكاء الشيعة على الحسين (عليه السلام) انما هو مما استبان لهم من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الشافعي: “أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن له أن يدعها لقول أحد”. [إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج2/ص11].

ودمتم سالمين