مركز الدليل العقائدي

هل الأخلاق مجرد أوامر إلهية؟

تفاصيل المنشور

الاشكال

الأخلاق الإسلامية تعتمد على أوامر إلهية وليست نابعة من العقل أو الفطرة ‏الإنسانية، مما يجعلها نسبية ومتغيرة بحسب النصوص‎.‎ فلماذا تُعتبر أخلاقيات المسلم صحيحة فقط لأنها “أوامر إلهية”، وليس بناءً على ‏قيم إنسانية مشتركة؟

المستشكل

باسل

تفاصيل المنشور

الاشكال

الأخلاق الإسلامية تعتمد على أوامر إلهية وليست نابعة من العقل أو الفطرة ‏الإنسانية، مما يجعلها نسبية ومتغيرة بحسب النصوص‎.‎ فلماذا تُعتبر أخلاقيات المسلم صحيحة فقط لأنها “أوامر إلهية”، وليس بناءً على ‏قيم إنسانية مشتركة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

الإشكال الذي تطرحه يقوم على فهم مغلوط لطبيعة الأخلاق الإسلامية، صحيح أن الأخلاق مستمدة من أوامر إلهية، ولكن هذا لا يعني أنها بعيدة عن الفطرة الإنسانية أو العقل، بل على العكس، الشريعة الإسلامية تُقر بأن الأوامر الإلهية تتماشى تمامًا مع الفطرة الإنسانية، التي هي أساس المعايير الأخلاقية في الإسلام، ثم خذ في الاعتبار أن الإسلام لا يفرض أخلاقًا تتناقض مع الفطرة أو العقل، بل هو يضع الأسس التي تضمن تحقيق القيم الإنسانية في أسمى صورها.

أما بالنسبة لقولك كون الأخلاق الإسلامية “صحيحة فقط لأنها أوامر إلهية”، فالجواب يكمن في أن الإسلام يؤكد على وجود قيم إنسانية مشتركة، ولكنه يرى أن هذه القيم يجب أن تُؤطر ضمن منظومة إلهية تُعطيها معنى وقيمة حقيقية.

بعبارة أخرى، إن القيم الإنسانية لا تكون مستقيمة أو متزنة إلا إذا كانت متوافقة مع إرادة الله سبحانه، لأن الله عزّ وجل هو الذي خلق الإنسان وركب فيه فطرته ووهبه العقل ليكون مرشدًا له، بينما إذا كانت الأخلاق نابعة فقط من البشر دون وحي إلهي، فإنها لا محالة تتغير بتغير الزمان والمكان وتتناقض فيما بينها.

وبالنسبة لفكرة أن “الأخلاق نسبية”، فالإسلام يميز بين المبادئ الأخلاقية التي لا تتغير بمرور الزمن أو بتغير الأماكن والظروف – مثل: العدل، والأمانة، والرحمة، والصدق، فهذه القيم تمثل الأساس الذي يُبنى عليه السلوك الإنساني، وتعدّ معيارًا مشتركًا بين جميع البشر، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية أو الزمنية – وبين كيفية تطبيق هذه القيم في مواقف وظروف معينة، والتي قد تختلف بحسب الزمان والمكان، فمثلاً، طريقة تحقيق العدل، أو إظهار الرحمة، تتنوع وفق متطلبات العصر والبيئة الاجتماعية.

أما الأوامر الإلهية التي وردت في الكتاب والسنة فهي ليست عشوائية، بل هي مبنية على حكمة عظيمة تهدف إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

إذاً، الأخلاق الإسلامية ليست مجرد طاعة عمياء، بل هي وسيلة لتوجيه البشر نحو الأفضل والأصح بناءً على المصلحة العليا التي يعلمها الله سبحانه؛ لذلك، لا يمكن اعتبار الأخلاق الإسلامية مجرد أوامر قسرية، بل هي نظام شامل يتوافق مع العقل والفطرة، ويحفظ كرامة الإنسان ويحقق له السعادة الحقيقية في كل زمان ومكان.

قد يُقال: إذا كانت الأخلاق تتماشى مع الفطرة والعقل، فلماذا نحتاج إلى أوامر إلهية لتوجيه الإنسان؟ أ ليست الفطرة والعقل كافيين لخلق نظام أخلاقي مستقل؟

الجواب: نعم، الفطرة والعقل يمكن أن يكونا ركيزة للتمييز بين الخير والشر، ولكن ثمة حدود لما يمكن أن يقدمه كل منهما بدون الإرشاد الإلهي، فالفطرة هي طبيعة الإنسان التي جُبل عليها، وهي تنبئه بما هو جيد أو سيئ، ولكنها قد تكون مشوشة أو مضطربة بسبب التأثيرات البيئية والثقافية.

والعقل – أيضًا – يمتلك قدرة على التفريق بين الأمور، لكنه قد يقع في الخطأ أو يقصر في إدراك الحقائق المبهمة إذا لم يُرشد إلى المسار الصحيح.

فهذا هو السبب في أن الأوامر الإلهية تأتي لتكون موجهة للعقل والفطرة، لتصحيح المسار وضمان أن الإنسان يسير في الطريق الصحيح الذي يضمن له السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

إضافة إلى ذلك، أن البشر مهما بلغوا من تقدم علمي أو فكري، لا يستطيعون تحديد معايير أخلاقية ثابتة في غياب الإرشاد الإلهي، فالقيم الإنسانية تتضارب وتتغير مع تغير الزمان والمكان، فيصبح ما يُعتبر “صوابًا” في زمن ما “خطأ” في زمن آخر، أما الأوامر الإلهية، فهي ثابتة، لأنها تتماشى مع الحكمة الكونية التي لا تتغير بتغير الظروف.

والخلاصة، إن الأخلاق الإسلامية تعتمد على أوامر إلهية تنسجم مع الفطرة والعقل، وتُقدّم منظومة أخلاقية ثابتة وشاملة، وهذه الأوامر ليست تعسفية، بل هي قائمة على حكمة مطلقة تهدف إلى تحقيق السعادة الحقيقية للإنسان، بعيدًا عن النسبية والتقلبات التي تؤدي إلى الفوضى الأخلاقية.

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.

مركز الدليل العقائدي.