مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هل الإلحاد يقدس العقل ام النفس؟

تفاصيل المنشور

الاشكال

إنَّ المُلحدينَ يُقدّسونَ العقلَ في الوقتِ الذي يَزعمونَ فيهِ أنّهُ لا مُقدّسَ لديهِم، فهُم يُؤمنونَ بعدمِ محدوديّتِهِ وأنّهُم يستطيعونَ مِن خلالِهِ أن يُنكِرُوا ما يشاءونَ أو يُثبِتُوا ما يشاءونَ في هذا الكونِ.. فمَا هيَ حقيقةُ العقلِ وما حدودُهُ إن كانَ لهُ حدودٌ….؟؟

المستشكل

شهاب عبدالل

تفاصيل المنشور

الاشكال

إنَّ المُلحدينَ يُقدّسونَ العقلَ في الوقتِ الذي يَزعمونَ فيهِ أنّهُ لا مُقدّسَ لديهِم، فهُم يُؤمنونَ بعدمِ محدوديّتِهِ وأنّهُم يستطيعونَ مِن خلالِهِ أن يُنكِرُوا ما يشاءونَ أو يُثبِتُوا ما يشاءونَ في هذا الكونِ.. فمَا هيَ حقيقةُ العقلِ وما حدودُهُ إن كانَ لهُ حدودٌ….؟؟

الأخ شهاب المحترم، السلام عليكم ورحم الله وبركاته..

هناكَ فرقٌ بينَ تقديسِ العقلِ وتقديسِ النّفسِ ورغباتِهَا، ومُشكلةُ المُلحدينَ ليسَت في السّماحِ للعقلِ في التّفكيرِ بحُرّيّةٍ، وإنّما في تحجيمِهِم للعقلِ مِن خلالِ السّماحِ لهيمنةِ الشّهواتِ، ومِن هُنا تحدّثَت آياتُ القُرآنِ عنِ الكُفرِ بوصفِهِ مُشكلةً نفسيّةً وليسَت عقليّةً، فنجِدُها وصفَتِ الكافرينَ بأنّهُم قومٌ لا يَعقلونَ، قالَ تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (171 البقرة)، وعلى هذا لا يُعاني الإيمانُ مِن مُشكلةٍ إذا فُتحَ الطّريقُ أمامَ العقلِ والتّعقّلِ، بينمَا قَد يُعاني الإيمانُ مِن مُشكلةٍ إذا فُتِحَ الطّريقُ أمامَ هوى النّفسِ وشهواتِهَا، ومِن هُنا جازَ لنَا أن نقولَ إنَّ إشكاليّةَ المَعرفةِ في منظورِ القُرآنِ نفسيّةٌ وليسَت عقليّةً؛ لأنَّ النّفسَ إذا استأثرَت بإرادةِ الإنسانِ عمِلَتْ على توجيهِهِ نحوَ الأهواءِ والشّهواتِ، وعندَهَا تتعطّلُ قُدرةُ الإنسانِ على التّفكيرِ والتّقييمِ الموضوعيّ للحقائقِ.

وعليهِ فإنَّ تقديسَ العقلِ لا يَعني إنكارَ الحقائقِ الثّابتةِ بالبُرهانِ، وإنّما تقديسُهُ يكونُ عبرَ الإلتزامِ بضوابطِ التّفكيرِ المنطقيّةِ، وإنكارُ المُلحدينَ لِما يشاءونَ يَدلُّ على رغبتِهِم في الإنكارِ ولا يدلُّ أبداً على تقديسِهِم للعقلِ، فالذي يُؤمنُ بوجودِ الكونِ من دونِ عِلّةٍ كيفَ يَزعمُ أنّهُ يُقدّسُ العقلَ أو يَحترمُهُ؟ وبالتّالي قناعاتُ الإنسانِ وأفكارُهُ لا تعودُ إلى الإنسانِ بوصفِهِ عاقلاً فقَط وإنّمَا بوصفِهِ صاحبَ هوىً ومصالحَ ذاتيّةٍ أيضاً، فبمقدارِ ما للعقلِ مِن أفكارٍ للنّفسِ أفكارُهَا الخاصّةُ أيضاً، ونتيجةً لعدمِ القُدرةِ على التّمييزِ بينَ الفكرتينِ يَظنُّ البعضُ أنَّ أفكارَ الإلحادِ عقليّةٌ في حينِ أنّهَا نفسيّةٌ بإمتيازٍ، ومِن هُنا يَحدثُ الخلطُ بينَ الفكرةِ القائمةِ على رؤيةٍ موضوعيّةٍ وبينَ الفكرةِ القائمةِ على رؤيةٍ ذاتيّةٍ، والإسلامُ كدينٍ يقومُ بدورِ تزكيةِ النّفسِ وتهذيبِهَا حتّى يتمكّنَ الإنسانُ منَ التّفكيرِ بعقلٍ مُجرّدٍ بعيداً عنِ الأهواءِ والشّهواتِ.

أمّا السّؤالُ عَن حدودِ العقلِ، فيُمكِنُنا أن نقولَ وبإختصارٍ: بأنَّ العقلَ يتحرّكُ في دائرةِ الشّهودِ من خلالِ الحواسِّ الخمسِ، أي أنَّ كُلَّ ما هوَ موجودٌ في عالمِ المخلوقاتِ المادّيّةِ يُمكنُ للعقلِ إدراكُهُ والتّفكيرُ فيهِ وبكلِّ الوسائلِ المُمكنةِ، أمّا ما هوَ خارجٌ عَن حدودِ الحواسِّ والمادّةِ فإنَّ العقلَ لا يُدرِكُهُ إدراكَ إحاطةٍ تفصيليّةٍ، وإنّما يتعرّفُ عليهِ مِن خلالِ آياتِهِ وعلاماتِهِ، وهُنا يأتي دَورُ المنهجِ العلميّ الذي يوفّرُ للعقلِ الطّرقَ الصّحيحةَ للإستنتاجِ والإستنباطِ.

ودمتم سالمين