تفاصيل المنشور
- السائل - أبو محمد الباقر.
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 27 مشاهدة
تفاصيل المنشور
ما الأدلة الدامغة على صحّة نسبة كتاب الإمامة والسياسية إلى ابن قتيبة الدينوري؟ لأن علماء مدرسة الخلافة يشكِّكون في صحة نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة، ويقول بعضهم بخلوِّ الكثير من مرويّات الكتاب من الإسناد، وتتردَّد عباراتٌ مثل: «وذكروا»، أو «حدثنا بعض مشائخ المغرب» وصياغات أخرى مشابهة في مطلع الرواية، دون أن يذكر من هم، أو يحدد مصدر الرواية الأصلي. ويشوب الكتابَ كذلك عديدٌ من المغالطات التاريخية، فتتعارض بعض مرويّاته مع ما ورد في مراجع التاريخ المُعتبرة. فالمؤرخ أبو بكر ابن العربي في كتابه «العواصم من القواصم»، انتقد بشدةٍ مرويّات الكتاب، وفنّدها، وتحامل على ابن قتيبة تبعًا لذلك مشترطًا صحة نسبته إليه.
والدكتور علي نفيع العلياني في كتابه «عقيدة الإمام ابن قتيبة»، ذكر الكتاب، وذكر مآخذه عليه، ورجّح أن كاتبه من الروافض، وأردف عنه ما نصُّه: «أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظرًا لكثرتها ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره لأهل الحديث، وقد يكون من رافضة المغرب، فإن ابن قتيبة له سمعةٌ حسنة في المغرب.» وساق بعدها أدلته حول ذلك.
والدكتور عبد الله عسيلان ألّف كتيّبًا بعنوان: «كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي» ساقَ فيه اثني عشر دليلًا على بطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة.
والأديب ومحقِّق التراث محبّ الدين الخطيب في تحقيقه لكتاب ابن قتيبة «المَيْسر والقِداح» ساق إشاراتٍ من الكتاب تُريِّبه في نسبته لابن قتيبة، واستدل بأقوالٍ لغيره، كانت لديهم ذات الريبة.
السائل
أبو محمد الباقر.
ما الأدلة الدامغة على صحّة نسبة كتاب الإمامة والسياسية إلى ابن قتيبة الدينوري؟ لأن علماء مدرسة الخلافة يشكِّكون في صحة نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة، ويقول بعضهم بخلوِّ الكثير من مرويّات الكتاب من الإسناد، وتتردَّد عباراتٌ مثل: «وذكروا»، أو «حدثنا بعض مشائخ المغرب» وصياغات أخرى مشابهة في مطلع الرواية، دون أن يذكر من هم، أو يحدد مصدر الرواية الأصلي. ويشوب الكتابَ كذلك عديدٌ من المغالطات التاريخية، فتتعارض بعض مرويّاته مع ما ورد في مراجع التاريخ المُعتبرة. فالمؤرخ أبو بكر ابن العربي في كتابه «العواصم من القواصم»، انتقد بشدةٍ مرويّات الكتاب، وفنّدها، وتحامل على ابن قتيبة تبعًا لذلك مشترطًا صحة نسبته إليه.
والدكتور علي نفيع العلياني في كتابه «عقيدة الإمام ابن قتيبة»، ذكر الكتاب، وذكر مآخذه عليه، ورجّح أن كاتبه من الروافض، وأردف عنه ما نصُّه: «أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظرًا لكثرتها ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره لأهل الحديث، وقد يكون من رافضة المغرب، فإن ابن قتيبة له سمعةٌ حسنة في المغرب.» وساق بعدها أدلته حول ذلك.
والدكتور عبد الله عسيلان ألّف كتيّبًا بعنوان: «كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي» ساقَ فيه اثني عشر دليلًا على بطلان نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة.
والأديب ومحقِّق التراث محبّ الدين الخطيب في تحقيقه لكتاب ابن قتيبة «المَيْسر والقِداح» ساق إشاراتٍ من الكتاب تُريِّبه في نسبته لابن قتيبة، واستدل بأقوالٍ لغيره، كانت لديهم ذات الريبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
ما ذكرتَه آنفًا في سؤالك أورده “د. علي الصلابي” في منشورٍ له تحت عنوان ” كتب تاريخية ساهمت بتشويه تاريخ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم”، على موقع “المجتمع”.
وهذا العنوان ينبئ عن علّة الشك في نسبة كتاب “الإمامة والسياسة” لابن قتيبة، ودونك الإشارة؛ إذ بها الحرُّ يكتفي:
قال: ((مِن الكتب التي شوَّهت تاريخ صدر الإسلام كتاب “الإمامة والسياسة”))، ثم أردفه بقوله: ((ومن الكتب التي ساهمت في تشويه تاريخ الصحابة بالباطل كتاب “نهج البلاغة”)) ثم ذكر كتاب الأغاني للأصفهاني، ووصفه بالشعوبية والدسِّ، والكذب الفاضح والطعن والمعايب، ووجَّه قوارصه نحو تاريخ اليعقوبي، وقال بأنه: ((لا يعترف بالخلافة إلا لعليِّ بن أبي طالب وأبنائه حسب تسلسل الأئمة عند الشيعة، ويسمِّي عليًّا بالوصي، وعندما أرّخ لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لم يُضْفِ عليهم لقب الخلافة))، وهكذا ذكر المسعوديَّ وتاريخَه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” فقال: ((قد أولى الأحداثَ المتعلِّقة بعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه في كتابه (مروج الذهب) اهتمامًا كبيرًا أكثر من اهتمامه بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب المذكور، وركَّز اهتمامه بالبيت العلويّ، وتتبَّع أخبارهم بشكلٍ واضح في كتابه (مروج الذهب) ، وعمِل بدون حياءٍ ولا خجل على تشويه تاريخ صدر الإسلام)).
ثم ذكر من حيث يدري، ولا يدري علَّة الشك بنسبةِ الكتاب إلى ابن قتيبة الدينوري، فقال:
1- ذكَر ابنُ قتيبة الدينوَري على لسان عليٍّ (عليه السلام)، أنه قال للمهاجرين: اللهَ الله يا معشر المهاجرين، لا تُخرِجوا سلطان محمدٍ في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم، ولا تُدافِعوا أهلَه مقامَه في الناس وحقه، فوالله ـ يا معشر المهاجرين ـ لنحن أحقُّ الناس به؛ لأنَّا أهل البيت، ونحن أحقُّ بهذا الأمر منكم… والله إنه لفينا، فلا تتَّبعوا الهوى فتضلُّوا عن سبيل الله…”.
2 – انتقد الصحابةَ، وذَكَر بعض مساوئهم، فصوَّر ابن عمر جبانًا، وسعد بن أبي وقاص حسودًا، وذكر أن محمد بن مسلمة غضب على عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؛ لأنه قتل مرحبًا اليهودي بخيبر، وإن عائشة أمرت بقتل عثمان.
3 – أنه كتب عن خلافة الخلفاء الثلاثة أبي بكرٍ وعمر وعثمان خمسًا وعشرين صفحة فقط، وكتب عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة مئتي صفحة!!
بهذا يحاول المتعصِّبون من أنصار السقيفة دحْض حقائق كتاب “الإمامة والسياسة” باستخدام مغالطاتٍ واتهامات كاذبة. زعموا زورًا أنه من تأليف الرافضة، ونسبوا له عيوبًا لا أساس لها من الصحة، بهدف إسقاط قيمته ونفيه عن مؤلِّفه الحقيقي.
والمضحك المبكي في آنٍ واحدٍ هو تهجُّم “ابن العربي” على “ابن قتيبة”، ووصفه بالجاهل الغافل، الأمر الذي يوحي للقارئ صحة نسبة كتاب “الإمامة والسياسة” لابن قتيبة، وإلا لماذا وصفه بهذا الوصف القاسي إنْ لم يكن من مصنفاته؟! قال ابن العربي في كتابه “العواصم والقواصم”: ((ومن أشدِّ شيء على الناس جاهل غافل، أو مبتدع محتال. فأما الجاهل فهو ابن قتيبة، فلم يُبقِ، ولم يَذَر للصحابة رسمًا في كتاب الإمامة والسياسية)) [العواصم من القواصم، ص261، ط. دار الجيل].
ومما سبق، نستنتج أنّ الشك في نسبة كتاب “الإمامة والسياسة” لابن قتيبة الدينوري لا ينبع من أدلّةٍ علمية، بل من دوافع عصبية مذهبية وحقدٍ دفين على عليٍّ وآل عليّ (عليهم السلام).
ثم ما قيمة الدكتور علي نفيع العلياني وكتابه «عقيدة الإمام ابن قتيبة»، والدكتور عبد الله عسيلان وكتابه: «كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي»، ومحب الدين الخطيب، وتحقيقه لكتاب ابن قتيبة «المَيسر والقِداح»، أمام كبار أئمة أهل السُّنة والجماعة أمثال أبي منصور الماتريدي(تـ 333هـ)، ذلك الإمام صاحب التفسير المشهور الذي يحمل اسمه، المعروف بمكانته الفريدة في العقيدة السنيّة، إلى الحدّ الذي جعل ابنَ حجر الهيتمي يصرِّح مؤكِّدًا أنّ الأهواء المنكرة هي العقائد الفاسدة التي تناقض عقيدة إمامَي أهل السنة والجماعة: أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي، قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: ((…ومنه قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} فالمراد بالأهواء مطلقًا الاعتقادات، وبالمنكرات الأهوية الفاسدة التي غير مأخوذة من الكتاب والسنة، وقال ابن حجر: والأهواء المنكرة هي الاعتقادات الفاسدة المخالفة لما عليه إمام أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي)). [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج4، ص1712].
وقال الإمام حسن بن أبي عذبة صاحب “الروضة البهية”: ((اعلم أن مدار جميع عقائد أهل السنة والجماعة على كلام قطبين: أحدهما: الإمام أبو الحسن الأشعري والثاني: الإمام أبو منصور الماتريدي. فكل من اتبع واحدًا منهما اهتدى، وسلِم من الزيغ والفساد في عقيدته)). [الروضة البهية، لأبي عذبة، ص3].
الآن أنعِمِ النظر في ما قاله الماتريدي في تفسيره “تأويلات أهل السُّنة”، عن كتاب “الإمامة والسياسة”، قال: ((ومن أشهر المؤلَّفات في القرن الثالث: كتاب الطبقات الكبرى لمُحَمَّد بن سعد المتوفى سنة 230 هـ، وكتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ)) [تفسير الماتريدي “تأويلات أهل السنة”، ج1، ص69].
وهكذا الحافظ تقيّ الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي (تـ ٨٣٢هـ)، الذي قال عنه ابن حجر العسقلاني: ((ولم يخلف بالحجاز بعده مثله)) [طبقات الحفاظ، للسيوطي، ص550]
قال الفاسي في كتابه “شفاء الغرام”، في سياق حديثه عن ولاية “مسلمة بن عبد الملك”: ((وولاية مسلمة بن عبد الملك حكاها ابن قتيبة في “الإمامة والسياسة”، وكلامه صريح في أنه وليها لأبيه)) [شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، لأبي الطيب الفاسي، ج2، ص201]
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ((ابن قتيبة “213 – 276 هـ” هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة، أبو محمد، الدينوري. من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين… من تصانيفه: “تأويل مختلف الحديث”، “الإمامة والسياسة”، و…)) [الموسوعة الفقهية الكويتية، ج3، ص344].
ويقول الدكتور السلفي عمر سليمان الأشقر المتتلمذ على يد ثلاثةٍ من كبار شيوخ السلفية، هم: عبد العزيز بن باز، وناصر الدين الألباني، ومحمد الشنقيطي، يقول الدكتور الأشقر في كتابه “نحو ثقافة إسلامية”: ((الفَصْل الخامس المؤلَّفات في النظام السياسي في الإسلام… ومن الذين ألفوا في هذا الموضوع من القدامى ابن قتيبة، له كتاب “الإمامة والسياسة)) [نحو ثقافة إسلامية أصيلة، لعمر بن سليمان الأشقر، ص345].
وجاء في “الموسوعة الميسرة”: ((الإمامة تعني الخلافة، وقد صنّف فيها من أهل السنة المتقدمون والمتأخرون، فمن المتقدمين ابن قتيبة صنّف “الإمامة والسياسة”)) [الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة، ج1، ص337].
وفي “مجلة المنار” صرّح محمد رشيد رضا بأن كتاب “الإمامة والسياسة” لابن قتيبة، لا يمكن لمسلم أن يستغني عنه، حيث قال: ((كتاب الإمامة والسياسة: كنا نسمع بهذا الكتاب، ونرى اسمه في الكتب، فنتمنى لو نراه لمكان مؤلِّفه أبي عبد الله بن قتيبة في العلم وتقدمه في الزمن ، فهو من أهل القرن الثالث ومن أصحاب الرواية حتى أتاح اللهُ لطبعه في هذه السَّنة محمد أفندي محمود الرافعي، وهو تاريخٌ للخلفاء الراشدين ومَن بعدهم من ملوك المسلمين إلى عهد المأمون. والكتاب في انسجام عبارته وتحرِّي مؤلفه في روايته مما لا يستغني المسلم عن قراءته، ومن قرأه معتبرًا يعرف شيئًا من قوة روح الإسلام)) [مجلة المنار، ج7، ص948، 16 ذو الحجة – 1322هـ – 20 فبراير – 1905م].
أ فبعد هذا الذي تقدَّم يشكُّ عاقلٌ في نسبة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري؟!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.