تفاصيل المنشور
- السائل - عبدالله
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 82 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم. ما مدى اعتبار الصحيفة السجادية عند علماء المذهب؟ وهل تضعيف السيد الخميني لسند الصحيفة ( في كتاب المكاسب المحرمة – ج١ – ص٤٨١ ط. مطبعة اعتماد – قم) واعتبارها لا تصحُّ للاحتجاج فقهيًّا، أمرٌ صحيحٌ أو أنّ فهم المخالفين لكلام السيد الخميني غيرُ صحيح؟ وإذا كانت ضعيفةً، ولا يصح الاحتجاج بها فقهيًّا فكيف احتجَّ بها بعضُ المؤلِّفين على الإمامة في ردِّ شبهة القراءة المنسيّة؟
السائل
عبدالله
السلام عليكم. ما مدى اعتبار الصحيفة السجادية عند علماء المذهب؟ وهل تضعيف السيد الخميني لسند الصحيفة ( في كتاب المكاسب المحرمة – ج١ – ص٤٨١ ط. مطبعة اعتماد – قم) واعتبارها لا تصحُّ للاحتجاج فقهيًّا، أمرٌ صحيحٌ أو أنّ فهم المخالفين لكلام السيد الخميني غيرُ صحيح؟ وإذا كانت ضعيفةً، ولا يصح الاحتجاج بها فقهيًّا فكيف احتجَّ بها بعضُ المؤلِّفين على الإمامة في ردِّ شبهة القراءة المنسيّة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
شاعَ ذِكر الصحيفة السجادية في كتب الشيعة، وفاضت بها، وكثُر فيها تكرارها، وحظِيت بالعناية روايةً وحفظًا، وإسنادًا وتفسيرًا، واستدراكًا، فقد رواها الألوف، وبلغتْ شروحها المئات، وجاوزتْ ترجماتها العشرات، حتى زادت عدةُ أسانيدها على ستةٍ وخمسين ألفًا، وما زال العلماء يتلقَّونها موصولةَ الإسناد بالإسناد. [يُنظر: مصادر نهج البلاغة وأسانيده، عبد الزهراء الخطيب، ج٣، ، ص١٥١].
وأكّد العلامة المجلسي في البحار، والطهراني في الذريعة أنّ الصحيفة السجادية قد وصلت حدَّ التواتر من حيث السَّند؛ لأنه جاز لرواتها قراءتها بكلِّ الطبقات وفي جميع العصور. [يُنظر: بحار الأنوار، ج107، ص59؛ والذريعة، ج15، ص18–19].
وقال العلامة الشيخ باقر القرشي: ((سند الصحيفة ينتهي إلى الإمام الأعظم أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) وإلى الشهيد الخالد زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) وقد ذُكرت سلسلة السند في مقدمة الصحيفة، وقد حظي بالتواتر حتى زاد على ستةٍ وخمسين ألفًا، وما زال العلماء يتلقَّونها موصولة الإسناد بالإسناد؛ قال السيد محسن الأمين العاملي: وبلاغة ألفاظها وفصاحتها التي لا تبارى وعلوّ مضامينها وما فيها من أنواع التذلُّل للّه تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوِه وكرمه والتوسُّل إليه أقوى شاهدٍ على صحة نِسبتها وأن هذا الدرَّ من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجَر، مضافًا إلى اشتهارها شهرةً لا تقبل الرَّيب وتعدُّد أسانيدها المتصلة إلى منشئها (صلوات اللّه عليه) وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدِّدة المتَّصلة إلى زين العابدين (عليه السلام) وقد كانت منها نسخةٌ عند زيد الشهيد، ثم انتقلت إلى أولاده وإلى أولاد عبد الله بن الحسن المثنى كما هو مذكورٌ في أولها، مضافًا إلى ما كان عند الباقر (عليه السلام) من نسختها، وقد اعتنى بها الناس أتمَّ اعتناءٍ بروايتها وضبط ألفاظها ونَسخها، وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشيِّ والأبكار.
إن سند الصحيفة قطعيٌّ لا يقبل الجدل ولا الشك، فقد تواتر إلى حدّ اليقين مضافًا إلى بلاغتها الفائقة التي لا تصدر إلا عن هذا الإمام العظيم)) [حياة الإمام زين العابدين (ع)، باقر شريف القرشي، ج2، ص117-118].
وقد ألّف الكلباسي (تـ 1315هـ) رسالةً مستقلة في تحقيق سند الصحيفة السجادية، وطبعت ضمن كتابه “الرسائل الرجالية”.[ يُنظر: الرسائل الرجالية، ص 559-624].
وقد استند كثيرٌ من الفقهاء والمفسِّرين في كتبهم واستدلالاتهم لفقراتٍ من الصحيفة السجادية. [يُنظر: الروضة البهية، ج2، ص273؛ الحدائق الناضرة، ج16، ص390؛ جواهر الكلام، ج11، ص158؛ كتاب المكاسب، للأنصاري، ج1، ص338؛ تفسير كنز الدقائق، ج2، ص237؛ تفسير الميزان، ج1، ص409].
والسؤال حول تضعيف السيد الخميني (قدس سره) لسند الصحيفة السجادية واعتبارها غير صالحة للاحتجاج الفقهي ليس دقيقًا تمامًا. نعم، ذكر (قدس سره) ضعف سند الصحيفة السجادية، لكنه أكَّد أن مضمونها يتمتَّع بسموِّ المعاني وفصاحة اللغة وبلاغتها، مما يجعلنا نثق بصدورها عن الإمام (عليه السلام) بنحوٍ إجمالي، إلا أنّ هذا لا يعني قبول جميع فقراتها دون تمحيص، حيث قال: ((حتى في الصحيفة المباركة السجادية فإنّ سندها ضعيف، وعلوّ مضمونها وفصاحتها وبلاغتها وإن توجب نحو وثوقٍ على صدورها، لكنْ لا توجبه في جميع فقراتها واحدةً بعد واحدة حتى تكون حجّة يُستدل بها في الفقه، وتلقِّي أصحابنا إيّاها بالقبول كتلقِّيهم نهج البلاغة به لو ثبت في الفقه أيضًا إنما هو على نحو الإجمال، وهو غير ثابت في جميع الفقرات(( [المكاسب المحرمة، السيد الخميني، ج١، ، ص٣٢٠].
علاوة على ذلك فقد استند (قدس سره) إلى بعض فقراتِ دعاء التوبة من “الصحيفة السجادية” في مباحث البيع لبيانِ الشرط الضِّمني في البيع، فقال: ((وأما بعض فقرات دعاء التوبة من الصحيفة الكاملة، وهو: “وأوجب لي محبَّتك كما شرطت، ولك يا ربِّ شرطي أنْ لا أعود”، فلأن الحبَّ معلَّق على التوبة، والشرط في الفقرة الثانية ضمنيّ)) [كتاب البيع، للسيد الخميني، ج1، ص90].
وكيف كان، فإنه ينبغي مراعاة أنّ المنهج العلمي يدعو إلى محاكمة المذاهب على أساس الرأي المشهور أو الرأي المتفَق عليه، وليس على الآراء النادرة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.