تفاصيل المنشور
- المستشكل - سالم مرداش
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 26 مشاهدة
تفاصيل المنشور
المقصود بالموالاة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه) يعني المودة والمحبة والمؤازرة، وهي ضد المعاداة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة” فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرًا وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، ولا تأتي كلمة (مولى) في الحديث بمعنى (الأولى) في لغة العرب، حتّى يكون الاستناد إليها في المقام تاما بحسب اللغة ولا إشكال فيه؟!
المستشكل
سالم مرداش
المقصود بالموالاة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه) يعني المودة والمحبة والمؤازرة، وهي ضد المعاداة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة” فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرًا وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون الله ورسوله ويعادونه، ولا تأتي كلمة (مولى) في الحديث بمعنى (الأولى) في لغة العرب، حتّى يكون الاستناد إليها في المقام تاما بحسب اللغة ولا إشكال فيه؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إن كلمة (مولى) تأتي بمعنى (الأولى) في لغة العرب، فقد نصّ على ذلك جمع من علماء اللغة العربية وصرّحوا بأنّ (الأولى) هي أحد معاني كلمة (مولى) في لغة العرب.. نذكر منهم:
الفراء وأبي عبيدة، كما جاء عن الرازي في “تفسيره” وابن حجر في “فتح الباري”. [تفسير الرازي، ج8، ص93، فتح الباري، ج10، ص673]
وثعلب، كما في “شرح المعلقات السبع” للزوزني. [شرح المعلقات السبع، للزوزني، ص127] ، وأبي بكر الأنباري اللغوي في كتابه “الأضداد” [الأضداد، ج2، ص46]، وأبي الطيب اللغوي الحلبي في كتابه “الأضداد في كلام العرب” [الأضداد في كلام العرب، ج2، ص665]، والجوهري في “صحاح اللغة وتاج العربية” [صحاح اللغة وتاج العربية، الجوهري، باب الواو والياء، فصل الواو، كلمة (ولي)].. وغيرهم.
وأَيضاً فسّر جمع كبير من المفسرين والمحدثين من أَهل السنّة كلمة (مولى) بـ (الأولى) في كتبهم عند تعرضهم لبيان قوله سبحانه وتعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} [الحديد:15]، فقالوا معنى الآية: أَيّ هي الأولى بكم.. منهم: الطبري والسمعاني والبغوي والقرطبي وابن كثير وغيرهم، وأَيضاً نصّ على ذلك البخاري في صحيحه عند تفسيره للآية المذكورة. [صحيح البخاري، ج7، ص240]..
وعليه، فلا يوجد أَيّ إشكال لغوي من هذه الناحية بأن يكون المراد من (مولى) معنى (الأولى) في لغة العرب.
والسؤال المهم هنا: ماذا كان يقصد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله هذا الذي عرفنا أنّه يريد به: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه؟!
لا نذهب بعيداً، ولنستعين بالقرآن الكريم وبالآية الكريمة نفسها التي استدلّ بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته، وهي قوله سبحانه وتعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، الذي جعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقّا لعليّ (عليه السلام) أيضاً حين قال: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم…؟، فقلنا نعم يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)) …!
قال الطبري في تفسيره للآية الكريمة: ((يقول: أحقّ بالمؤمنين به من أنفسهم، أنْ يحكم فيهم بما شاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم، كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أنت أولى بعبدك، ما قضى فيهم من أمر جاز، كما كلّما قضيت على عبدك جاز))[تفسير الطبري، ج21، ص127].
وبهذا المعنى من البيان بنفوذ الحكم ولزوم الطاعة فسّر به جمع كبير جداً من علماء أَهل السنّة الأولوية في الآية الشريفة، منهم: ابن كثير في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في تفسيره، والنسفي في تفسيره، والشوكاني في تفسيره، والقاضي عياض في كتابه “الشفا” [الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج1، ص53]، وابن القيم في كتابه “زاد المهاجر” [زاد المهاجر، ابن القيم الجوزية، ص30].. وغيرهم كثير.
والنتيجة: أن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أثبت لعلي (عليه السلام) في يوم غدير خم الأولوية على المؤمنين من أنفسهم، التي تعني نفوذ حكمه عليهم، ولزوم إطاعتهم له، وهذا أمر واضح لا يغالط فيه إلا من سلب الله منه نعمة الفهم السليم!!
وأَيضاً وجدنا جملة من علماء أَهل السنّة ممن يفسرون حديث الغدير بأنّ المراد من كلمة (مولى) فيه معنى (الأولى) وبالتالي لسنا الوحيدين ممن يفسّر الحديث المذكور استنادا إِلى القرينة اللفظية الواردة فيه:
1- فها هو العلامة الأوحد – كما يصفه الذهبي في [سير أعلام النبلاء، ج23، ص293] – محمّد بن طلحة الشافعي، المتوفى (652هـ) يقول في كتابه “مطالب السؤول” في بيان معنى حديث الغدير:
((فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به أَو ناصره أَو وارثه أَو عصبته أَو حميمه أَو صديقه فإن عليّاً منه كذلك، وهذا صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه… بما لم يجعله لغيره)) [مطالب السؤول، ص98].
2- ويقول سبط ابن الجوزي في كتابه “التذكرة” في بيان معني حديث الغدير: ((..(العاشر) بمعنى الأولى قال الله سبحانه وتعالى: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:15]، أي: أولى بكم..، والمراد من الحديث: الطاعة المحضة المخصوصة فتعين العاشر، ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به)).
ثمّ قال: ((وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى ابن سعيد الثقفي الأصبهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين، فإنّه روى هذا الحديث بإسناده إِلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله بيد علي وقال: من كنت وليّه وأولى به من نفسه فعلي وليّه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إِلى الوجه العاشر، ودلّ عليه أَيضاً قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهذا نصٌّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته)) [تذكرة الخواص، ص38-39].
3- ويقول الشيخ الحافظ الكنجي الشافعي محمد بن يوسف، المتوفى (658 هـ) في كتابه “كفاية الطالب” في دلالة حديث الغدير: ((قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلّي: “لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحقّ منك”… وهذا الحديث وإن دلّ على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دال على التولية، وهي الاستخلاف. وهذا الحديث، أعني حديث غدير خم، ناسخ؛ لأنّه كان في آخر عمره [صلى الله عليه وآله وسلم])) [كفاية الطالب، ص166-167].
4- ويقول الشيخ المقريزي مؤرخ الديار المصرية، المتوفى (840هـ)، في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار”: ((وقال ابن زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة (362 هـ)، وهو يوم الغدير، يجتمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء؛ لأنّه يوم عيد؛ لأنّ رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] عهد إِلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فيه واستخلفه…)) [المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج2، ص220].
5- وجاء عن الشيخ ابن عثيمين في “مجموع فتاواه ورسائله”: ((سُئل فضيلة الشيخ: عن الانسان إِذا خاطب ملكا (يامولاي)؟
فقال (بعد أن بين القسم الأول من الولاية): القسم الثاني: ولاية مقيدة مضافة، فهذه تكون لغير الله، ولها في اللغة معان كثيرة منها: الناصر، والمتولي للأمور، والسيد، قال الله سبحانه وتعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين}، وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، وقال [صلى الله عليه وآله وسلم]: (إنما الولاء لمن أعتق)) [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين، ج3، ص126- 127].
وهذا بيان واضح منه على نحو اللف والنشر المرتب، بأنّ المراد من المولى في حديث الغدير هو المتولي للأمور.
إذن.. لا مجال للطعن في دلالة حديث الغدير على الخلافة لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة..
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.