تفاصيل المنشور
- المستشكل - ملحد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 18 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لماذا لا يَحسم الإله أمر الإيمان به بأدلةٍ قطعيةٍ بحيث يؤمن كلّ من وقف عليها، كالشمس، ليقطع دابر المشكِّكين والملحدين والكافرين، ويَدخل الجميع في الإسلام؟! هل إنه غير قادر على ذلك؟ وغير قادرٍ على وضع أدلةٍ تجعل الناس تؤمن به؟!
المستشكل
ملحد
لماذا لا يَحسم الإله أمر الإيمان به بأدلةٍ قطعيةٍ بحيث يؤمن كلّ من وقف عليها، كالشمس، ليقطع دابر المشكِّكين والملحدين والكافرين، ويَدخل الجميع في الإسلام؟! هل إنه غير قادر على ذلك؟ وغير قادرٍ على وضع أدلةٍ تجعل الناس تؤمن به؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إنّ أصل أدلة الإسلام هي أدلةٌ عقليةٌ، ونقلية، ورصدية، وفطرية، وآحاد هذه الأدلة يوجب العلمَ اليقينيَّ بصحة الإسلام، فضلًا عن مجموعها!
وإن سُنّة الله في خلقه هي التكليف، وسُنته في التكليف هي خفاء الحكمة، وسنّته في الحكمة هي دقائقها، والاستدلال بما عُلم على ما خَفي، ودقَّ يؤدي لا محالة إلى الفوز والنجاح، ومن يجعل مما يجهلُ حجابًا يحرمه من الاستدلال بما يَعلم، فهو لا محالة من الخاسرين.
والاعتراض المذكور أشبهُ ما يكون بالاعتراض على أسئلة الاختبار التي يضعها الأستاذ لتلاميذه، فيُعترض عليه: إذا كنت عالمًا بأجوبة هذه المسائل، فلماذا لا تضع أمام كلِّ سؤالٍ جوابَه المناسب ليحصل الجميعُ على درجةِ النجاح، فتنعدم بذلك حالةُ الرسوب!
فالذي يطلبُ دليلًا كالشمس على الإيمان بنسبة 100% فهو لا يعرف شيئًا عن الإيمان، وهو أبعد البشر عن العقل والمنطق {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا الله أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118].
فمن قال: إنّ أدلة النظر المباشر تفيد الإيمان الاضطراريّ، فهو جاهلٌ بأصل التكليف ومناط الحساب وأحوال الناس، فالعقل مناطُ التكليف، ولو كان هناك من الأدلة ما يوجب علمًا اضطراريًّا بمجرد النظر ما تطلَّب الإيمان إعمال عقلٍ، ولا تَرتّب عليه ثوابٌ ولا عقاب.
إذ لو كانت أدلة الإيمان تشبه وجود الشمس لكان ذلك إيمانًا اضطراريًّا، لا يترتب عليه ثوابٌ ولا عقاب، ولما أصبح لوجود الإنسان التكليفيّ في هذا العالم معنى، وهذا ما قرّره القرآن الكريم: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظرُونَ} [الأنعام: 8].
والدليل الاضطراري هو دليلٌ لا يحتاج إلى إعمال عقلٍ أو تحرير نقلٍ مثل وجود الشمس، فهذا النوع من الأدلة لا يتعلق به عملٌ عقليٌّ، ولا يُساق أصلًا إلا لجملة المجانين! وشتان بين الأدلة الاضطرارية وبين الإيمان اليقينيّ! فالأول يحجب العقل، ولا يترتب عليه ثوابٌ أو عقاب. والثاني قائمٌ في آحادِ آحادِ الأدلة، فضلًا عن آحادها، فضلًا عن جملتها!
فالإيمان اليقينيّ يسهُل أن تصل إليه بالنظر في آحادِ آحادِ الأدلة باستخدام العقل أو الانقياد للفطرة والانتصار على هوى النفس. لكنّ الأدلة في ذاتها لا تفيد الإيمان الاضطراري بمجرد النظر المباشر!
فلا بدّ من إعمال العقل في الأدلة للوصول إلى الإيمان اليقيني، وإلا فمجرد النظر لا يفيد اضطرارَ الإيمان.
ولن يندم الكفار يوم القيامة على شيءٍ ندمَهم على إيقاف عقولهم عن الأدلة التي تفيد إيمانًا يقينيًّا {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].
فالله سبحانه قد بيّن للموقنين آياته {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:20-21]؛ وهذه الآيات والقرائن هي في غاية الوضوح والجلاء لمن يريد أن يؤمن، ويسلِّم لله بالخلق والأمر {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29].
يقول ميريت ستانلي كونجدن – عالمٌ طبيعيٌّ وفيلسوف، عضوٌ في الجمعية الأمريكية الطبيعية -: ((نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها، حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية، فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته. ذلك هو الله الذي لا نستطيع أن نصل إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود. وليست العلوم إلا دراسةَ خلق الله وآثار قدرته)) [الله يتجلّى في عصر العلم، ص26] .
أما من يريد العبث فذلك اختياره، وتلك رؤيته. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل:109].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.