مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

مفهوم القيمة والمعنى في عالمٍ بلا إله

تفاصيل المنشور

الاشكال

اعتقادنا بأن الحياة الدنيا هي الحياة الحقيقية، وعدم وجود حياة أخرى تعطيها قيمة أكبر، الذين يؤمنون بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة يُحرمون من اكتشاف جمال وروعة الحياة الدنيا. 

المستشكل

ملحد

تفاصيل المنشور

الاشكال

اعتقادنا بأن الحياة الدنيا هي الحياة الحقيقية، وعدم وجود حياة أخرى تعطيها قيمة أكبر، الذين يؤمنون بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة يُحرمون من اكتشاف جمال وروعة الحياة الدنيا. 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

لا شك أن الإلحاد يفتقر إلى رؤيةٍ واضحةٍ حول مبدأ الإنسان ومصيره النهائيّ، فلا يمكنه التحدث عن قيمة الإنسان؛ لأنه ليس إلا رؤية مشوهة للإنسان، ليس بسبب رفضه للإله فقط، بل لأنه ينكر الوجود والإنسان والعقل وقيمة الحياة.

عندما يتخلى الإلحاد عن الروح، ويؤمن بالمادة، وينكر الجوانب الروحية، ويركز فقط على الظاهر، ويتجاهل الأسباب، ويقول: إن كل شيء مجرد صدفة، ويتجاهل الغاية، ويتشبث بالعبث والفوضى، ويتخلى عن العقل، ويتشبث بالحواس، وعلى وفق هذه الرؤية فإنه لا يترك مجالًا لأي قيمة للإنسان أو للحياة أو للوجود بنحوٍ عام. فالوجود من دون روح لا يكون له قيمة، وعندما يكون منفصلًا عن الأسباب لا يكون له حقيقة، وعندما يكون من دون عاقبة لا يكون له حكمة، وعندما يكون من دون عقل لا يكون له معنى؛ لذلك فالمشكلة مع الإلحاد ليست فقط مع الله، بل مع الإنسان أيضًا. والعودة إلى الله تبدأ بعودة الإنسان إلى ذاته. ويبدو أن القيمة التي يتحدث عنها الإلحاد هي قيمة الشهوات والأهواء التي تجعل من الإنسان مشابهًا للحيوانات.

فعندما يعتقد الإنسان أن وجوده في الحياة هو نتيجة صدفة، وأنه بعد الموت سيواجه المجهول، فإن ذلك يدفعه عادةً إلى التركيز على الشهوات والرغبات الحيوانية فقط. أما القيم والفضائل والأخلاق الرفيعة التي يمكن للإنسان تحقيقها من خلال التطهير والترفع عن الشهوات، يكون الإلحاد غير قادر على فهمها بنحوٍ عام؛ نظرًا لأنه لا يؤمن بالحياة الآخرة ولا بالمعنى العميق للوجود بعد الموت.

ومن هنا، يكون الإيمان بالله هو الذي يحقق قيمة الحياة وكرامة الإنسان. فالدين هو الإطار الأنسب للإنسان، فلا يمكن للإنسان أن يستغني عن الدين؛ لأنه ليس شيءٌ سواه قادرًا على التواصل مع الإنسان من الداخل وتحريكه من الباطن ليجد الانسجام مع ذاته والتكامل مع محيطه. وعندما يُظهر الإنسان إنسانيته، ويتبادل التعامل مع الآخرين يكون ذلك بدايةً لتحقيق الصلاح على مستوى الذات حتى ينعكس التأثير الإيجابي والصلاح على مستوى المجتمع والجماعة بنحوٍ عام.

وعندما يتواجه الإنسان وجهًا لوجه مع ذاته، يكون هو المسؤول عن إنسانيته. أما الدين، فهو الذي يوقظ، وينبه الإنسان النائم في أعماقه. قال تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّا أَعْرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]. والظلم والجهل هما اللذان يضيعان هذه الأمانة.

إن الله خلق الإنسان، وجعله قابلًا للتكامل، وفتَح أمامه الطريق، وهيأ له الأسباب. وهذه هي أمانة الله للإنسان في أن يكون مسؤولًا عن بناء نفسه وصناعة ذاته. فإما أن يكون إنسانًا ذا شأن، كما قال تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [الإسراء:70]، وإما أن يكون {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الأعراف:179].

ففلسفة الأديان تحث الإنسان على أن يتحلى بصفات الإنسانية باستخدام عقله وتوجيه إرادته نحو قيم الكمال والجمال المحمودة. فهي تدعوه إلى أن يتجاوز حيوانيته وغرائزه وشهواته، وأن يسعى لتحقيق النمو الروحي والخُلُقي. بدلاً من أن يستجيب فقط لدوافعه الحيوانية.

وهكذا هو الجزاء في يوم القيامة، فمن كان إنسانًا في الدنيا، يبعث إنسانًا في الآخرة، ويكون نصيبه الجنة. ومن عاش في الدنيا كالأنعام، يبعث كما كان، ويلقى مصيرًا غير الجنة. قال تعالى: {وَبدأ لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الزمر: 48]. وقال تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى:22].

إذًا، الدين هو شيء آخر يمتاز عن معارف البشر وقوانينهم. فهو الذي يصنع الإنسان، ويجعله يبدع، ويصنع كل ذلك النظام الذي يحقق الكمال؛ لذا، لا غنى للإنسان عن الدين، فهو الإطار الأنسب له؛ لأنه يوجهه نحو التزكية والترفُّع عن الشهوات.

ويتلخص مما تقدم أنّ:

  1. الإلحاد ليس له رؤية عن مبدأ الإنسان ولا عن غايته ومصيره النهائي، فهو لا يمكنه التحدث عن قيمة الإنسان وروعة الحياة.
  2. الإلحاد يركز على الشهوات والرغبات الحيوانية دون النظر إلى القيم والفضائل والأخلاق الرفيعة.
  3. الإنسانية تتجلى في ارتباط الإنسان وتعامله مع الآخرين، ولكنْ يجب أن يبدأ الصلاح على مستوى الذات.
  4. الدين يشجع الإنسان على أن يكون إنسانًا بعقله وإرادته، ويحثه على تحقيق قيم الكمال والجمال.
  5. الدين يوفر الإطار الذي يساعد الإنسان على الاتصال بالله من الداخل وتحقيق الانسجام مع نفسه والتكامل مع محيطه.
  6. الإنسان هو المسؤول عن بناء نفسه وصناعة ذاته، والدين يوفر الأسس والقيم لهذا البناء.
  7. الدين يحقق قيمة للحياة، ويجعل الإنسان يبدع، ويصنع النظام والتوازن في حياته.
  8. الإيمان بالله يحقق قيمة للحياة وكرامة للإنسان، والدين هو الإطار الأنسب له؛ لأنه يوجهه نحو التزكية والترفع عن الشهوات.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.