مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

معنى الولي في حديث (عليّ مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي)

تفاصيل المنشور

السؤال

كثير ما ينكر إخواننا من اهل السنة لفظ الولي في حديث (عليّ مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي) الذي ورد في مصادرهم، وبعضهم يدعي ضعفه أو يتلاعب في مضمونه نتمنى توضيحه وبيانه.

السائل

محمد علي

تفاصيل المنشور

السؤال

كثير ما ينكر إخواننا من اهل السنة لفظ الولي في حديث (عليّ مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي) الذي ورد في مصادرهم، وبعضهم يدعي ضعفه أو يتلاعب في مضمونه نتمنى توضيحه وبيانه.

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة الذي رواه علماء أهل السنة في مجاميعهم الحديثية، ونصه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((عليّ مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي)) [راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج5، ص261].
فما المراد من كلمة (ولي) في هذا الحديث؟
والجواب: إن كلمة (ولي) هي من الألفاظ المشتركة في اللغة، بمعنى أنّ لها عدة معاني، مثلها مثل كلمة (عين) التي تدل على عدة معاني وهي: الباصرة، والنابعة، والجاسوس، وعين الذهب، ونحوها، واللفظ المشترك يستفاد معناه بمعونة القرائن اللفظية فيه، فلو قلت: رأيتُ عينا وأسكت، فأنت لا تفهم المراد مني، بأنني هل رأيت عين الماء؟ أو أنني رأيت عينا باصرة؟ أو أنني رأيت جاسوسا يتلصص؟
ولكنني عندما أقول: رأيت عينا باكية فإنك تفهم من قولي بأنني رأيت العين الباصرة، بقرينة لفظة (باكية) في الكلام، وكذلك لو قلت: رأيت عينا باردة، فإنك ستفهم من كلامي بأنني رأيت عين الماء، بقرينة لفظة (باردة) في الكلام.. وهكذا.
وبالرجوع إلى كتب اللغة نجد لكلمة (ولي) عدة معاني في استعمالات العرب:
جاء في‌ «صِحاح‌ اللغة‌»: الولي ـ القرب‌ والدنوّ. يقال‌: تباعَدَ بَعْدَ.
وَلْي‌ٍ؛ وكُلْ مِمّا يَليكَ، أَي‌ْ: مِمّا يُقَاربُكَ؛ إلي‌ أن‌ يقول‌: والولي ضدّ العدو، يقال‌ منه‌ تولّوه‌. والمَوْلَي‌ المعتِق‌، وابن‌ العمّ، والناصر، والجار. والولي الصهر؛ وكُلُّ مَنْ وَلِي‌َ أَمْرَ واحِدٍ فَهُوَ وَلِيُّهُ.
إلي‌ أن‌ يقول‌: والوِلاَية‌ بالكسر السلطان‌؛ والوِلاَية‌ بالكسر والفتح‌: النصرة‌؛ وقال‌ سيبويه‌: الوَلاَية‌ بالفتح‌ المصدر؛ وبالكسر الاسم‌ مثل‌: الإمارة‌ والنِقابَة‌؛ لأنه‌ اسم‌ لما تولّيَته‌ وقمتَ به‌؛ فإذا أرادوا المصدر فتحوا. [صحاح اللغة، ج6، 2528-2530].
وجاء في‌ «أقرب‌ الموارد»: وَلاَهُ ووَلِيَهُ يَلِيهِ، من‌ باب‌ ضَرَبَ يَضْرِبُ وَحَسِبَ يَحْسِبُ، والاوّل‌ قليل‌ الاستعمال‌؛ {والمصدر} وَلِي‌، أي‌ دنا منه‌ وقرب‌ يقال‌: جَلَسْتُ مِمَّا يَلِيهِ؛ أي‌ يقاربه‌؛ ويقال‌: الْوَلِيُ حُصُولُ الثَّانِي‌ بَعْدَ الاوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.
وَلِي‌َ الشَّي‌ءِ وَعليه وِلاَيَةً وَوَلاَيَةً: ملك‌ أمره‌، وقام‌ به. أو الوِلاَيَة‌ بالفتح‌ والكسر الخِطَّة‌ والإمارة‌ والسلطان‌؛ ووَلِيَ فلاَناً وعليه: نصره‌، ووَلِيَ فُلاَناً وَلاَيةً: أَحبّه‌؛ ووَلِي‌َ الْبَلَدَ: تسلّط‌ عليه ….
فهنا – بحسب بيانات أهل اللغة – نجد أنّ لكلمة (ولي) معان متعددة، منها: الناصر، وابن العم، والجار، والمحب، والمعتق، وولي الأمر.. وغيرها..
والسؤال الذي يطرح هنا: أي من المعاني المتقدمة لكلمة (ولي) هو المعنى المناسب لوضعه محل كلمة (ولي) في حديث النبي (وهو ولي كل مؤمن بعدي) حتى يتم الكلام ويستقيم بشكل صحيح سليم؟
إن قلت: نضع محلها ابن العم..
قلنا: هذا واضح البطلان لأنه لا معنى لأن يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق عليّ (عليه السلام): وهو ابن عم كل مؤمن بعدي!!
وإن قلت: نضع محلها الجار..
قلنا: وهذا واضح البطلان أيضاً؛ لأنه أي معنى لأن يكون مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وهو جار كل مؤمن بعدي!!
فإن قلت: نضع محلها كلمة الناصر أو المحب..
قلنا: هذا لا يصح أيضاً؛ لأنه أي معنى لكلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وهو ناصر ومحب كل مؤمن بعدي، الذي يعني أنه ليس بناصر ولا محب للمؤمنين الآن!!
فهذا الكلام لا يمكن قبوله جزما، لأن عليّ (عليه السلام) هو ناصر المؤمنين ومحبهم في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما الوجه من تقييد المحبة والنصرة للمؤمنين بعد النبي فقط؟!
فإذا انتفت كل هذه المعاني بقي عندنا معنى وحيد من معاني الولي المتقدمة يناسب المقام ولا يرد عليه أي إشكال، وهو ولي الأمر، أي يكون معنى كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وهو ولي أمر كل مؤمن بعدي … فهذا المعنى لا يرد عليه أي إشكال مطلقاً، وولاية الأمر عرفاً تعني الحاكمية بلا نزاع ولا جدال، فالناس تسمي الحاكم والخليفة والملك والأمير ولي الأمر، وبهذا يثبت أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه المتقدم هو: أن علياً (عليه السلام) هو الحاكم والخليفة وولي الأمر من بعده.. وهذا هو نفس مدعى الشيعة وعقيدتهم.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.