مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

معنى الوجوب في قول العلماء (يجب على الله)

السائل

سامي عبد الله

تفاصيل المنشور

السؤال

الرافضة يجيزون إطلاق الوجوب على الله تعالى وكأنه مكلف بتكاليف يجب عليه امتثالها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فيقولون: يجب على الله كذا وكذا.. وهذا مما لا يجوز شرعا، فكيف يقال: يجب على الله أن يفعل هذا أو ذاك؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
اطلاق الوجوب على الله تعالى في المقام ليس معناه الوجوب في مصطلح الفقهاء، أي بمعنى طلب الفعل مع المنع من الترك، أو انشاء البعث نحو الفعل، وما إلى ذلك من أوامر، فالوجوب بهذا المعنى لا يصدر إلا من المولى (الآمر) في حق المتولى عليه (المأمور)، ولا يخطر ببال عاقل مسلم أن قصد المتكلم القائل: (يجب على الله كذا وكذا) الوجوب بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء، وانما المراد من الوجوب هنا بمعناه المصطلح عليه عند المتكلمين، وهو حسن الفعل وملائمته لكمال فاعله في الأوصاف الكمالية، أي أن معنى الوجوب على الله المراد به الملازمة القطعية بين الكمال في مرحلة الذات والصفات الذاتية وبين الكمال في مرحلة الفعل، فيعبرون عن ذلك بلفظ الوجوب وهذا المعنى مصطلح عليه عند المتكلمين.
قال المحقق نصير الدين الطوسي: ((ليس هذا الوجوب بمعنى الحكم الشرعيّ كما هو المصطلح عند الفقهاء بل هذا الوجوب بمعنى كون الفعل بحيث يستحقّ تاركه الذّم، كما أنّ القبيح بمعنى كون الفعل بحيث يستحق فاعله الذّم، والكلام فيه هو الكلام في الحسن والقبح بعينه، ويقولون، إنّ القادر العالم الغنىّ لا يترك الواجب ضرورة)) [تلخيص المحصل المعروف بنقد المحصل، ص378].
ومن علماء أهل السُّنة من تنبه إلى حقيقة معنى الوجوب على الله، منهم محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) حيث قال: ((مذهب السلف الصالح هو الحق في المسألة وما كانوا ينكرون الوجوب ولا يقولون به على اطلاقه وانما مذهبهم انه لا يجب على اللّه تعالى إلا ما أوجبه وكتبه على نفسه وما هو مقتضى صفاته ومتعلقاتها، فكما وجب له تعالى في حكم العقل الاتصاف بصفات الكمال وجب أن يترتب على تلك الصفات ما يسمونه متعلقاتها كالعدل والحكمة والرحمة وأنه لا يجب عليه سبحانه شيء بحكم غيره إذ لا سلطان فوق سلطانه فيوجب عليه ويجعله مسؤولا ولا مثله ، بل لا يوجد شيء في السماء)) [تفسير المنار، ج8، ص52].
وها هو القرآن الكريم يدلنا على أن الله سبحانه وتعالى أوجب بعض الأفعال على ذاته المقدسة وذلك من خلال كلمة (على) الدالة على اللزوم والوجوب الواردة في عدة آيات، منها:
قوله سبحانه: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12]، قال الشيخ الطبرسي: ((أخبر سبحانه أن الهدى واجب عليه، ولو جاز الإضلال عليه لما وجب الهداية)) [تفسير مجمع البيان، ج١٠، ص٣٧٧].
وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل:9]، قال العلامة الطباطبائي في تفسيره: ((القصد على ما ذكره الراغب وغيره استقامة الطريق وهو كونه قيما على سالكيه يوصلهم إلى الغاية والظاهر أن المصدر بمعنى الفاعل والإضافة من إضافة الصفة إلى موصوفها والمراد السبيل القاصد بدليل مقابلته بقوله ومنها جائر أي ومن السبيل ما هو جائر أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها ويضلهم عنها والمراد بكون قصد السبيل على الله وجوب جعل سبيل قاصد عليه تعالى يسلكه عباده فيوردهم مورد السعادة والفلاح وإذ لا حاكم غيره يحكم عليه فهو الذي أوجب على نفسه ان يجعل لهم طريقا هذا نعته ثم يهديهم إليه اما الجعل فهو ما جهز الله كل موجود ومنها الانسان من القوى والأدوات بما لو استعملها كما نظمت أدته إلى سعادته وكماله المطلوب. واما الهداية فهي التي فعلها من ناحية الفطرة وتناها بما من طريق بعث الرسل وإنزال الكتب وتشريع الشرائع)) [تفسير الميزان، ج١٢، ص٢١٢].
وقوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54]، والكتابة هو الاثبات والقضاء الحتم، وإذ كانت الرحمة – وهي إفاضة النعمة على مستحقها وإيصال الشيء إلى سعادته التي تليق به – من صفاته تعالى الفعلية صح أن ينسب إلى كتابته تعالى، والمعنى: أوجب على نفسه الرحمة وإفاضة النعم وإنزال الخير لمن يستحقه.
فالمراد بكتابته الرحمة على نفسه إيجابها على نفسه أي استحالة انفكاك فعله عن كونه معنوناً بعنوان الرحمة. [راجع: المصدر السابق، ج7، ص26-27-105].
وقوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} [النجم:47]، قال الشيخ الطبرسي: ((فإن قيل: إن لفظة (على) كلمة إيجاب، فكيف يجب على الله سبحانه ذلك؟ فالجواب: إنه سبحانه إذا كلف الخلق، فقد ضمن الثواب. فإذا فعل فيهم الآلام، فقد ضمي العوض. فإذا لم يعوض في. الدنيا، وخلّى بين المظلوم والظالم، فلا بد من دار أخرى يقع فيها الجزاء والإنصاف والانتصاف. وقد وعد سبحانه بذلك فيجب الوفاء به)) [تفسير مجمع البيان، ج٩، ص٣٠٤].
فهذه الآيات المباركة وغيرها كثير، تدل بوضوح على وجوب بعض الأفعال على الله سبحانه وتعالى.
إذن، إطلاق الوجوب على الله سبحانه بالمعنى الذي أوضحناه، إطلاق صحيح لا محذور فيه شرعاَ وعقلاَ. [راجع: القواعد الكلامية، الكلبايكاني، ص75].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.