تفاصيل المنشور
- المستشكل - نايف محمد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 13 مشاهدة
تفاصيل المنشور
حب آل البيت شيء واتباعهم شيء أخر.. فإن كان اتباعهم لكونهم اتبعوا النبي فاتباع النبي إذن هو الأصل وهو الأولى وهذا ما فعله اهل السنة فهم أخذوا عن النبي وقصروا الاتباع عليه.. وإن كان اتباعهم لكونهم على أمر إضافي أو مخالف لما كان عليه النبي فهنا يجب أن تقولوا بنبوتهم أولاً ونسخ نبوة النبيﷺ، وإلا عندكم رأي آخر؟
المستشكل
نايف محمد
حب آل البيت شيء واتباعهم شيء أخر.. فإن كان اتباعهم لكونهم اتبعوا النبي فاتباع النبي إذن هو الأصل وهو الأولى وهذا ما فعله اهل السنة فهم أخذوا عن النبي وقصروا الاتباع عليه.. وإن كان اتباعهم لكونهم على أمر إضافي أو مخالف لما كان عليه النبي فهنا يجب أن تقولوا بنبوتهم أولاً ونسخ نبوة النبيﷺ، وإلا عندكم رأي آخر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
ما ذكره المستشكل انما هو تخبط وتخليط، فالاتباع من لوازم الحب، ولا يمكن بحال التفكيك بين اللازم والملزوم، والحب وإن كان من أعمال القلوب إلا أنه لا بد وأن تظهر آثاره على الجوارح قولاً وعملاً، وأقوى شاهد على صدق الحب هو موافقة المحب لمحبوبه، وبدون هذه الموافقة يكون الحب دعوى كاذبة، فالاتباع هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل، وهو شرط صحة فيها، وبدونه لا تتحقق المحبة ولا تتصور بمعناها الصحيح.
كما أن الله تعالى قد جعل محبته موجبةً لاتباع رسوله، فقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، فاتباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو البرهان العظيم على صدق دعوى المحبة، قال ابن كثير: ((قال الحسن البصري وغيره من السلف: “زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ})). [تفسير ابن كثير، ج2، ص32].
وقال ابن تيمية في فتاواه: ((فكل من ادَّعى أنه يحب الله ولم يتبع الرسول؛ فقد كذب)) [مجموع الفتاوى، ج8، ص360].
وقد ثبت أن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم مقام قول الله عز وجل، بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]، وثبتت – بالتواتر القطعي – وصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمته بالتمسك بالثقلين (الكتاب والعترة) في حديث عظيم صححه علماء أهل السنة بمختلف طرقه وألفاظه وصرحوا بدلالته التامة على لزوم أخذ علوم الدين عن أهل البيت (عليهم السلام) كما تؤخذ عن القرآن، وهذا نصه عن مصادر أهل السنة:
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) [مختصر صحيح الجامع الصغير للسيوطي والألباني، رقم الحديث:1726-2458].
وجاء عنه (صلى الله عليه وآله) بلفظ آخر: ((إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) [صحيح الجامع الصغير للألباني، ج1، ص482؛ مسند أحمد بن حنبل، برقم:21654، تصحيح شعيب الأرناؤوط].
وقد صحح الحديث المذكور على مختلف ألفاظه من لزوم الأخذ والإتباع والتمسك بالعترة الكثير من علماء أهل السنة غير من ذكرناه، أمثال: ابن حجر العسقلاني، وابن كثير، والطحاوي، والحاكم النيسابوري، والذهبي، والبوصيري. [راجع على الترتيب: المطالب العالية، ج4، ص65، برقم:3972؛ تفسير إبن كثير، ج12، ص271، شرح مشكل الآثار، ج5، ص18؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص148، تلخيص المستدرك، للذهبي؛ إتحاف الخيرة المهرة، ج9، ص279].
وقد شرح علماء أهل السنة أنفسهم المراد من هذا الحديث وبينوا دلالته:
فقد قال الملا علي القاري في “المرقاة شرح المشكاة” في شرحه لحديث الثقلين: ((والمراد بالأخذ بهم: التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل برواياتهم والاعتماد على مقالتهم)). [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج11، ص307].
وقال الدهلوي في “التحفة الإثنا عشرية”: ((هذا الحديث – أي: حديث الثقلين- ثابت عند الفريقين: أهل السنة والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر، والرجوع إليهما في كل أمر فمن كان مذهبه مخالفا لهما في الأمور الشرعية اعتقادا وعملا فهو ضال ومذهبه باطل لا يعبأ به ومن جحد بهما غوى ووقع في مهاوي الردى)). [مختصر التحفة الاثني عشرية، ص52، الدهلوي هو شاه عبد العزيز (1159-1239) كبير علماء الهند من أهل السنة في عصره].
وجاء عنه – أيضاً – في “أشعة اللمعات في شرح المشكاة” قوله: ((لقد كرر هذه الكلمة للمبالغة والتوكيد، وهي إشارة إلى وجوب أخذ السنة منهم، كما أن الأولى إشارة الى الأخذ بما في الكتاب. فعلى جميع الذين آمنوا أن يكونوا مطيعين لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم)). [أشعة اللمعات في شرح المشكاة، ج4، ص677].
ومراد الدهلوي من تكرار الكلمة هو ما ورد في إحدى نصوص حديث الثقلين بأنه (صلى الله عليه وآله) قال ثلاث مرات: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) [صحيح مسلم، ج4، ص1873، برقم: 2408].
قال الزرقاني المالكي في شرح هذه الجملة: ((قال الحكيم الترمذي: حضَّ على التمسك بهم، لأنّ الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة)) [شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية، ج9، ص246].
وقال التفتازاني بعد أن ذكر الحديث: ((ألا يُرى أنه (صلى الله عليه وسلم) قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسك بهما منقذا عن الضلالة؟! ولا معنى للتمسك بالكتاب إلا الأخذ به بما فيه من العلم والهداية فكذا في العترة)) [شرح المقاصد، ج3، ص529].
وقال المباركفوري في شرحه على الترمذي: ((«فانظروا كيف تخلفوني» بتشديد النون وتخفف أي: كيف تكونون بعدي خلفاء أي: عاملين متمسكين بهما)). [تحفة الأحوذي في شرح الترمذي، ج10، ص197].
وعن ابن الأثير في “النهاية”: ((«إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي» سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. ويقال لكل شيء خطير نفيس: ثقل، فسماهما ثقلين لقدرهما وتفخيما لشأنهما)). [النهاية في غريب الحديث، ج1، ص216].
وعن النووي في شرحه على مسلم: ((قوله (صلى الله عليه وسلم): «وأنا تارك فيكم ثقلين» فذكر كتاب الله وأهل بيته. قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما)). [صحيح مسلم بشرح النووي، ج15، ص180].
وعن المناوي الشافعي في “فيض القدير”: ((وفي هذا مع قوله أولا «إني تارك فيكم» تلويح، بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين…)). [فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج3، ص20].
فهذه كلمات الأعلام من أهل السنة تجدهم يتفقون على دلالة حديث الثقلين على لزوم التمسك بالعترة وأخذ علوم الدين وأحكامه عنها، تماما كما يؤخذ عن القرآن، وأن الأخذ عن العترة عاصم من الضلال كما هو الشأن في الأخذ عن القرآن.. فهكذا ربط بين كتاب الله، وأهل بيته (صلوات الله عليه وعليهم) انما هو لنفاستهما وعظم حرمتهما، وصعوبة القيام بحقهما، وأنهما طريقا النجاة في الدنيا والآخرة لمن عرف حقهما.
فهذا الحديث العظيم التام السند والدلالة بشهادة علماء أهل السنة هو من لوازم محبة أهل البيت (عليهم السلام) واتباعهم ومعرفة فضلهم والثناء عليهم والدفاع عنهم وصون حرمتهم.
فمحبة أهل البيت (عليهم السلام) من محبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومحبته من محبة الله عزّ وجلّ، فمن أحبهم فقد أحب النبيّ، ومن أحب النبي فقد أحب الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحبه الله وغفر له.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.