تفاصيل المنشور
- المستشكل - ناصر الدين
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 49 مشاهدة
تفاصيل المنشور
عدم تصريح الشيخين البخاري ومسلم بذكر المهدي المنتظر في صحيحيهما يسقط هذه العقيدة من رأس، وقد يدعي الروافض واهمين وجود أحاديث أخرجها الشيخان في الصحيحين، فنقول لهم: الأحاديث التي تشبثتم بها لم ترد في الصحيحين بنحو مفصل، وإنما جاءت مجملة، وهذا ما يقلل من شأنها ويضعف الاعتماد عليها.
المستشكل
ناصر الدين
عدم تصريح الشيخين البخاري ومسلم بذكر المهدي المنتظر في صحيحيهما يسقط هذه العقيدة من رأس، وقد يدعي الروافض واهمين وجود أحاديث أخرجها الشيخان في الصحيحين، فنقول لهم: الأحاديث التي تشبثتم بها لم ترد في الصحيحين بنحو مفصل، وإنما جاءت مجملة، وهذا ما يقلل من شأنها ويضعف الاعتماد عليها.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إن العبرة بصحة الإسناد، وحكم أئمة الحديث أو بعضهم بالقبول، ولا يقتصر ذلك على الصحيحين، ويكفي في تقرير ذلك أن البخاري ومسلمًا لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما، فالصحيح كما هو موجود فيهما فهو موجود في غيرهما، قال الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه “الإمام مسلم وصحيحه”: ((إن الصحيح كما أنه موجود فيهما فهو موجود خارجهما في الكتب المؤلفة في الحديث النبوي كالموطأ وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني والبيهقي وغيرها. وهو أمر واضح غاية الوضوح فلم ينقل عن البخاري ومسلم أنهما استوعبا الصحيح في صحيحهما أو قصدا استيعابه وإنما جاء عنهما التصريح بخلاف ذلك)) [الإمام مسلم وصحيحه، عبد المحسن العباد، ص48].
وسئل الشيخ ابن عثيمين في “فتاوى نور على الدرب” عن إمام مسجد لا يستدل إلا بالأحاديث التي رواها الشيخان فقط، فأجاب: ((الصحيح أن كل ما صَحّ عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فهو حُجّة، سواء كان من الصحيحين أو من غيرهما، والصحيحان لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، بل هناك أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين ولا في أحدهما، وقد قَبِلها الناس وصحّحوها وعملوا بها واعتقدوا بمقتضاها، فيقال لهذا الرجل: لماذا كنت تحتج بما رواه الشيخان البخاري ومسلم دون غيرهما؟ فإذا قال: لأن كتابيهما أصحّ الكتب. قلنا: إذاً الْمَدَار على الصِّحَّة، فأيّ كتابٍ كان فيه حديث صحيح فإنه يجب عليك أن تَقْبَلَه)) [فتاوى نور على الدرب للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ج٢، ص٤٣٨].
وعلى فرض صحة هذه الدعوى، فإن ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما لا محمل له إلا المهدي المنتظر (عليه السلام).
فقد روى البخاري في صحيحه في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ)) [صحيح البخاري، ج4، ص168، ح3449].
وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنَّه سمع النبي يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة)) [صحيح مسلم، ج1، ص137، ح156].
فهذه الأحاديث الواردة في الصحيحين وغيرها وإن لم يكن فيها تصريح بلفظ المهدي (عليه السلام)، إلا أنها تدل على أمرين:
الأول: أن المتولي لأمر المسلمين عند نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) هو رجل من المسلمين.
الثاني: الصفات والسمات الواردة في الأحاديث لا تنطبق إلا على الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، وقد جاءت الأحاديث في المسانيد والسنن وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث الواردة في الصحيحين لتدل على أن ذلك الرجل الصالح الذي سيتولى أمرة المسلمين عند خروجه ونزول عيسى بن مريم يقال له المهدي المنتظر، والسنة يفسر بعضها بعضاً، ومن الأحاديث المفسرة الدالة على ذلك ما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة))، وهذا الحديث قال فيه ابن القيم: ((وهذا اسناد جيد)) [المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لابن القيم، ص148، ح339].
وصرح الألباني بأن المراد بــلفظ (أميرهم) في حديث جابر هو المهدي (عليه السلام)، فقال: ((هو المهدي عليه السلام كما تظاهرت بذلك الأحاديث بأسانيد بعضها صحيح، وبعضها حسن، وقد خرجت شيئاً منها في “الأحاديث الضعيفة”)) [مختصر صحيح مسلم للمنذري، ج2، ص549، ح 2061].
وقال الكشميري في فيض الباري: ((قوله: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ»، والواو فيه حاليةٌ. والمُتَبَادَرُ منه الإِمام المهدي، فَسُمِّي إمامًا، وعيسى عليه السلام حكمًا وعَدْلًا)) [فيض الباري على صحيح الباري، ج4، ص405، ح3449].
فدلالة الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه غاية في الوضوح على أن ذلك الأمير المذكور الذي طلب من عيسى بن مريم أن يتقدم للصلاة هو الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، قال ابن حجر في الفتح: ((وَفِي صَلَاةِ عِيسَى خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ كَوْنِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَقُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ دَلَالَةٌ لِلصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ وَاللَّهُ أعلم)) [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج6، ص464].
وقد أورد الشيخ محمد صديق خان جملة من أحاديث المهدي (عليه السلام) في كتابه الإذاعة وجعل خاتمتها حديث جابر الذي أخرجه مسلم في صحيحه وعقبه بقوله: ((وليس فيه ذكر المهدي، ولكن لا محمل له ولأمثاله من الأحاديث إلا المهدي المنتظر كما دلت على ذلك الأخبار والآثار الكثيرة)) [الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، محمد صديق خان، ص180-181].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.