تفاصيل المنشور
- المستشكل - أبو رقاد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 26 مشاهدة
تفاصيل المنشور
أين القرآن الكريم الذي جمعه الإمامُ عليٌّ حتّى نتمسَّك به؟ وإذا كان هناك مانعٌ من إظهاره في بادئ الأمر فلماذا إذن لم يُظهره أيام حكمه وخلافته؟!
المستشكل
أبو رقاد
أين القرآن الكريم الذي جمعه الإمامُ عليٌّ حتّى نتمسَّك به؟ وإذا كان هناك مانعٌ من إظهاره في بادئ الأمر فلماذا إذن لم يُظهره أيام حكمه وخلافته؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
لقد اعترَف علماء أهل السُّنة بالمُصحَف الذي جمعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليس فيه زيادةٌ أو نقيصةٌ عن المُصحف الموجود الآن، غير أنه مرتّب بحسب النزول، وفيه ذكرُ الناسخ والمنسوخ وبعض التفسير والتأويل.
قال ابن جزي الغرناطي الكلبي في كتابه “التسهيل لعلوم التنزيل”: ((كان القرآن على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم متفرقًا في الصُّحف وفي صدور الرجال، فلما تُوفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قعد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته، فجمعه على ترتيب نزوله، ولو وُجد مُصحفه لكان فيه علمٌ كبير، ولكنه لم يوجد)) [التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص12].
ونَقل ابن عبد البرّ بسنده عن محمّد بن سيرين أنّه قال: ((فبلغني أنّه كتب على تنزيله، ولو أُصيب ذلك الكتاب لكان فيه علمٌ)) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص94].
وعن ابن أشتة في “الإتقان”: ((كَتب في مُصحفه الناسخ والمنسوخ)) [الإتقان، للسيوطي، ج1، ص58].
وعن السيوطي في “الإتقان”: ((جمهور العلماء اتفقوا على أنّ ترتيب السُّوَر كان باجتهاد الصحابة، وأنّ ابن فارس استدلّ لذلك بأنّ منهم من رتّبها على النزول، وهو مُصحف عليٍّ، كان أوّله: “إقرأ” ثمَّ “نون” ثمَّ “المزّمّل”، هكذا ذكر السور إلى آخر المكي ثمَّ المدني)) [الإتقان، ج1، ص66].
إلى غير ذلك من الآثار والأقوال التي تقرِّر وجودَ مُصحف عليٍّ (عليه السلام) بنحوٍ لا يقبل الشك.
وأمّا الشيعة فقد ذكروا مُصحف عليٍّ (عليه السلام) في كتبهم، رواياتٍ وأقوالًا، فقد جاء عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قولُه: ((ما نَزلت آيةٌ على رسول الله صلى الله عليه وآله إلّا أقرأنيها، وأملاها عليّ، فأكتبها بخطّي. وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها. ودعا اللهَ لي أنْ يعلمني فهمَها وحفظها، فما نسيتُ آيةً من كتاب الله، ولا علمًا أملاه عليّ فكتبتُه منذ دعا لي ما دعا)) [الكافي، ج1، ص64].
وجاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((ما ادّعى أحدٌ من الناس أنّه جَمع القرآن كلّه كما أُنزل إلّا كذّاب، وما جمعه، وحفظه كما نزّله الله تعالى إلّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة من بعده)) [الكافي، ج1، ص228].
وجاء عن الشيخ الصدوق: ((وقد نزل من الوحي الذي ليس بقرآنٍ . . . وكان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام جمَعه، فلما جاء به قال: هذا كتابُ ربّكم كما أنزل على نبيّكم، لم يُزَد فيه حرفٌ، ولا يُنقص منه حرف)) [الاعتقادات في دين الإمامية، ص92].
فروايات الشيعة وكلمات علمائهم تطابق تمامًا ما ورد في كلمات أهل السُّنة عن المُصحف المذكور.
وقد تسأل: أين هذا المصحف الآن؟ وما هو مصيره؟!
يجيب عن ذلك علماءُ أهل السُّنة أنفسهم، ومنهم عبد الكريم الشهرستاني (548هـ) يقول في كتابه “مفاتيح الأسرار ومصابيح الأنوار”: ((وهو عليه السلام لمّا فرغ من تجهيز رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، آلى أنْ لا يرتدي برداءٍ إلّا لجمعة حتّى يجمع القرآن؛ إذ كان مأمورًا بذلك أمرًا جزًما، فجمعه كما أُنزِل من غير تحريفٍ وتبديل وزيادة ونقصان، وقد كان أشار النبىّ صلّى الله عليه وآله إلى مواضع الترتيب والوضع والتقديم والتأخير… ويروى أنّه لمّا فرغ من جمعه أخرجه هو وغلامه قنبر إلى النّاس، وهم في المسجد… وقال لهم: هذا كتابُ الله كما أنزله على محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، جمعْتُه بين اللّوحين، فقالوا: ارفع مُصحفك لا حاجة بنا إليه، فقال: والله لا ترونه بعد هذا أبدًا، إنّما كان عَلَيَّ أن أُخبركم حين جمعتُه. فرجع به إلى بيته قائلًا: (يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورًا)، وتركهم على ما هم عليه كما ترك هارون عليه السلام قوم أخيه موسى بعد إلقاء الحجَّة عليهم، واعتذر لأخيه بقوله: {إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل، ولم ترقب قولي} …)) [مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار، ج1، ص121].
وفي مصادر الشيعة، روى الشيخ الكليني في “الكافي”: ((عن سالم بن سلمة، قال: قرأ رجلٌ على أبي عبد الله عليه السلام، وأنا أستمع حروفًا من القرآن، ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة، اقرأْ كما يقرأُ الناس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم عليه السلام قَرأ كتاب الله عز وجل على حدِّه، وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السلام، وقال: أخرجه عليٌّ عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه، وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله عزّ وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله، وقد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحفٌ جامعٌ فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما واللهِ ما ترونه بعد يومكم هذا أبدًا، إنّما كان عليَّ أنْ أُخبركم حين جمعتُه لتقرؤوه)) [الكافي، ج2، ص633].
وأما عن قولك: (لماذا لم يُظهر الإمام عليّ هذا القرآن الذي كتبه أيام حكمه وخلافته؟!).
نقول: يجيبنا عن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه، فعندما سأله طلحة بعد مدّة أنْ يُظهر هذا القرآن للناس قال له: ((لا أراك يا أبا الحسن أجبتَني عما سألتُك عنه من أمر القرآن، ألا تظهره للناس. قال: يا طلحة عمدًا كففت عن جوابك، فأخبرني عمّا كتب عمر وعثمان أ قرآن كلّه أم فيه ما ليس بقرآن؟! قال طلحة: بل قرآنٌ كلّه. قال: إنْ أخذتم بما فيه نجوتم من النار، ودخلتم الجنة، فإنَّ فيه حُجّتنا وبيان حقّنا وفرض طاعتنا، فقال طلحة: حسبي، أما إذا كان قرآناً فحسبي)) [كتاب سليم، ص212، التفسير الصافي، ج1، ص42، الاحتجاج للطبرسي، ج1، ص225].
والحمد لله أوّلًا وآخًرا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.