تفاصيل المنشور
- المستشكل - مصطفى
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 26 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم .. في سورة البقرة يقول الله (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) وبعض الأشخاص يقولون أليس الله عادل؟ لماذا يزيدهم مرضاً ويعذبهم على هذه الزيادة؟ لماذا لا يتركهم الله على مرضهم دون زيادة ولا نقصان .. ويقولون إن الله لديه نزوات بشرية كالغضب
المستشكل
مصطفى
السلام عليكم .. في سورة البقرة يقول الله (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) وبعض الأشخاص يقولون أليس الله عادل؟ لماذا يزيدهم مرضاً ويعذبهم على هذه الزيادة؟ لماذا لا يتركهم الله على مرضهم دون زيادة ولا نقصان .. ويقولون إن الله لديه نزوات بشرية كالغضب
الأخ مصطفى المحترم ، عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبل أن نجيب عن الآية الكريمة ، محلّ السؤال ، لا بدّ من توضيح قاعدة علمية يعمل بها جميع العقلاء في الأرض ، وهي قاعدة الجمع العرفي ، التي لها موارد تطبيقية كثيرة في مباحث الألفاظ ، ومن هذه الموارد : توجيه الظاهر لصالح المقطوع به .. ففي بعض الأحيان مثلاً تشاهد أباً يضرب ابنه وأنت تعلم علم اليقين بأنَّ هذا الأب رجلٌ صالحٌ عالِمٌ ولا يمكن أن يكون ضربه لإبنه على نحو الظلم والاعتداء ، فلابدّ أن تحمل هذا الضرب – الذي هو بحسب الظاهر ظلم وتشفي – على التأديب والتربية لا على الظلم والتشفي .
ولنطبق هذه القاعدة على مقامنا حتّى يكون المطلب واضحاً عندنا : العدل الإلهي هو أمر ثابت ومقطوع به عقلاً ونقلاً .. فالعقل يقول إنّ اللجوء إلى الظلم لا يخلو من أحد حالات أربع : فالظالم حين يظلم إمّا أن يكون :
1- جاهلاً بالظلم فيظلم غيره .
2- أو يكون محتاجاً إلى الظلم كأن يرغب بمنصب أو مال ونحو ذلك لا يمكنه الحصول عليه إلا بظلم غيره .
3- أو يكون عابثاً يظلم بدافع التشهي والعبث فقط .
4- أو يكون مكرهاً مجبوراً على الظلم – كأن تجبره قوة أكبر منه على الظلم – فيظلم غيره .
وكلّ هذه الفروض هي منتفية في حقّه سبحانه وتعالى لأنّه : العالِم ، الغني ، الحكيم ، القوي .. وهو ما أثبته العقل – أيضاً – للمولى سبحانه في مرحلة سابقة من مباحث التوحيد ،الأمر الذي ينتج نتيجة قطعية عقلية مفادها : أنّه لا يوجد ظلم في ساحة المولى سبحانه وتعالى مطلقاً .
وأمّا النقل فالقرآن الكريم ثري بالآيات الكثيرة المتكاثرة التي تصرّح بأنَّ الله سبحانه لا يظلم مثقال ذرّة أبداً . والدليل العقلي يغنينا عن الدليل النقلي إذا كان الحوار مع شخص ملحد أو غير مسلم .
نقول : فإذا ثبت عندنا بشكل قطعي – عقلي – عدله سبحانه وجآئتنا آيات ظاهرها يفيد نسبة الظلم إليه سبحانه – كهذه الآية محلّ السؤال فإنَّ ظاهرها يستفاد منه أنَّ زيادة المرض على مرضهم هي من عند الله – فهنا ينبغي توجيه هذا الظاهر لصالح المقطوع به حسب قاعدة الجمع العرفي العقلآئية المشار إليها سابقاً ؛ لأنَّ أساليب البيان في القرآن الكريم متعدّدة جدّاً ، ففي القرآن الكريم يوجد : العام والخاص ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، والمحكم والمتشابه ، والنصّ والظاهر وغير ذلك من أساليب البيان المتعدّدة والمعروفة في علم المعاني والبيان التي ينبغي الجمع بينها جمعاً عرفياً حسب اللسان العربي الذي نزلت به هذه الآيات الكريمة .
وبلحاظ ما تقدّم كلّه نقول : إنّ قوله تعالى : { ِفي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } سورة البقرة : 10، بعد امتناع حمله على معنى منافي للمقطوع به من العدل الإلهي ، يحمل ظاهره على عدّة وجوه ، نشير إلى بعضها ، وكلّها صحيحة :
1- أن يحمل المرض على الغم ؛ لأنّه يقال مرض قلبي من أمر كذا أي غمّ ، والمنافقون قد مرضت قلوبهم لما رأوا ثبات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) واستعلاء شأنه ، وكانوا يزدادون غمّاً على غمّ يومياً .
2- أنّ مرضهم ( وهو الظلمة في نفوسهم ) كان يزداد بسبب إزدياد التكاليف ؛ لأنَّ المنافقين الذين كانت قلوبهم منصرفة عن الإيمان بالله كلما جاءت تكاليف جديدة للمسلمين ازدادوا ظلمة في نفوسهم ، فنسبت هذه الزيادة لله من هذه الناحية ، كما لو وعظت أحداً وتمادى في فساده فتقول له : مازادتك موعظتي إلا فساداً .
3- أن تحمل الزيادة على منع الألطاف الإلهية بحقّهم حين بارزوا الله بنفاقهم وكفرهم فتركهم الله سبحانه وأنفسهم الأمارة بالسوء التي تزيدهم إثماً على إثمهم وأمراضاً قلبية على أمراضهم .
4- أن تحمل الزيادة على الفتور والانكسار ؛ لأنّ العرب تصف فتور الطرف بالمرض ، فيقولون جارية مريضة الطرف ، والمنافقون بعد أن كانوا في أوّل أمرهم أقوياء في محاربة الدين ومنازعته انكسرت شوكتهم بعد ذلك وفترت بسبب قوة الإسلام ومنعته.
5- أن يكون المراد من هذه العبارة : { فزادهم الله مرضاً ) الدعاء ، بمعنى : اللهم زدهم مرضاً على مرضهم وامنع عنهم لطفك وتوفيقك واتركهم وأنفسهم الأمارة بالسوء توردهم النار صاغرين فيها .
راجع هذه المحامل والوجوه – ويوجد غيرها أيضاً – في تفاسير المسلمين : تفسير الشيخ الطوسي 1: 71 ، تفسير الطبرسي 1: 103 تفسير الفخر الرازي 2: 65 ، تفسير القرطبي 1: 197 ، تفسير الآلوسي 1: 149 .
أمّا الشقّ الثاني من السؤال : أنّ الله سبحانه لديه نزوات بشرية كالغضب ، فجوابه واضح ، فالله سبحانه ليس من سنخ المخلوقين ولا من طبيعتهم حتّى يقال لديه نزوات بشرية مثل مخلوقاته، وهذه الحالات : الرضا والغضب ونحوها التي ترد في النصوص القرآنية لا يراد بها المعنى الحقيقي الذي يحمل على البشر ، بل يراد بها معنى مجازياً يوضحه لنا الحديث الوارد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة : ((عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني عن الله عزّ وجل هل له رضا وسخط ؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه )) ( التوحيد – للشيخ الصدوق – : 170).
ودمتم سالمين