مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لماذا ندفع الخمس وقد أباحه الإمام المهدي (ع)؟

تفاصيل المنشور

الاشكال

قرأت رواية عن الامام المهدي عليه السلام يقول فيها: ان الخمس قد ابيح لشيعتنا الى حين الظهور!! فلماذا ندفع الخمس طالما أباحه الإمام أرواحنا لمقدمه الفداء؟

المستشكل

عمار أبو مرتضى

تفاصيل المنشور

الاشكال

قرأت رواية عن الامام المهدي عليه السلام يقول فيها: ان الخمس قد ابيح لشيعتنا الى حين الظهور!! فلماذا ندفع الخمس طالما أباحه الإمام أرواحنا لمقدمه الفداء؟

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
في البدء ينبغي أن نعرف أنّ ليس كلّ رواية توجد في كتبنا الروائية هي حجّة وينبغي العمل بها من دون نظر إلى الروايات الأخرى الواردة عن أئمتنا (عليهم السلام)، فالرواية الحجّة عند الشيعة الإمامية على مراحل، هي:
1 – أن تكون الرواية الصحيحة السند.
2 – أن لا تخالف القرآن الكريم.
3 – أن لا تخالف العقل القطعي.
4 – أن لا تخالف الحقائق العلمية الثابتة.
5 – أن لا تخالف المسلمات في الشريعة.
6 – أن لا تخالف ثوابت المذهب.
7 – أن لا تكون صادرة للتقية.
8 – أن لا تكون معارضة لرواية أخرى من الروايات الصحيحة عندنا، وإذا كان لها معارض ينظر فيه هل هو من النوع المستقر أو غير المستقر، وإذا كان من نوع غير المستقر هل يمكن جمعه جمعا عرفيا أو لا، والمستقر هل توجد له مرجحات في المقام أو لا..
فهذه المراحل كلها على الرواية اجتيازها حتى تكون حجّة ويأخذ الشيعة الإمامية بها.. ففي الروايات عام وخاص ومطلق ومقيد ونص وظاهر ومجمل ومبين، وليس كما يظن البعض أنّ الموضوع يتعلق برواية واحدة فقط..
وبالنسبة للرواية المذكورة في السؤال، فهي ممّا رواه الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) في كتابه (إكمال الدين وتمام النعمة)، ونحن بغض النظر عن سندها نقول هي معارضة بجمله روايات توجب دفع الخمس ولا تحلّه لصاحبه، الأمر الذي يشكل قبولها على ظاهرها، وفي هذا الجانب قال المحقّق القمي (قدس سره): ((وفي كتاب إكمال الدين، عن محمّد بن يعقوب فيما ورد من التوقيعات بخط صاحب الزمان عليه السلام: «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي إلى أن قال: وأمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا؛ لتطيب به ولادتهم»، إلى غير ذلك من الأخبار.
أقول: ويشكل العمل بظواهر أكثر هذه الأخبار؛ لأنّ مقتضى بعضها تحليل مطلق الخمس حتى حصّة غير الإمام وحصّة الإمام اللاحق وفي حال الحضور، فضلًا عن الغيبة، وكذلك الأنفال، ويفيد كثير منها عدم تخصيص الاستثناء بما ذكر، وذلك يوجب جواز التصرف في مال الغير.
وهذا وإن كان يمكن دفعه بأنّ إخبار المعصوم عن ذلك كاشف عن صحته، بمعنى أنّه إخبار عن عدم الوجوب، ولكن يدفعه التأمل في الحكمة الباعثة على وضع الخمس، وما دلّ من الأخبار على أنّ اللَّه تعالى حرّم الزكاة على بني هاشم تشريفاً لهم، وتنزيهاً إياهم عن أوساخ الناس، وتوفيراً لحقّهم على غيرهم من جهة المقدار والمحل كليهما؛ فإذا كان ذلك ساقطاً عن الشيعة، فيبقى فقراء بني هاشم أسوأ حالًا من سائر الخلق؛ لأنّ المخالفين مع قلَّة ما يتعلَّق به الخمس عندهم لأنّهم لا يقولون بخمس الأرباح؛ وهو الغالب النافع في الغالب، ولا المال المختلط، ولا في أرض الذمّي التي اشتراها من مسلم الغالب أنّهم لا يعطون خمسهم للشيعة، وسيّما من كان منهم في بلاد التشيّع، مع ما ثبت من شرف بني هاشم، وكثرة اهتمام النبي صلى الله عليه وآله بحالهم، وجعل الموادّة معهم أجر الرسالة، وما ورد من الأخبار الكثيرة في صلة الذرية الطيبة، فكيف يمكن القول بسقوط حقوقهم بالمرّة أو في الأغلب، مع أنّ الأصل الثابت بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع كيف يخرج عنه بمثل هذه الأخبار، وسيّما الأصل عدم السقوط.
فيشبه أن يكون الباعث لصدور هذه الأخبار، هو طغيان أهل الجور، واغتيال السلطان لأموالهم، وتصرّف الظلمة في الأنفال والأخماس.
فالعفو إمّا لأجل أنّ المخالفين إذا كانوا يأخذون منهم فلا يجب عليهم ثانياً كما في الخراج والزكاة، وإمّا لأجل أنّ ما يعاملون معهم في تلك الأموال ويصل إليهم لا غائلة فيه كما في شراء الزكاة والخراج.
مع أنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار أنّ ذلك التحليل كان منهم «عند إعواز المال وعدم الاقتدار، وأنّ العفو من صاحب الحقّ من حقّه، مع احتمال حقّ غيره أيضاً حينئذٍ.
ويظهر من بعضها: أنّه كان للخوف والتقيّة، ومن بعضها: أنّ ذلك كان عفواً من صاحب الحقّ عليه السلام في ماله الذي أتلفه السائل، وعدم تمكَّنه من الإيصال.
مع أنّ في مقابل هذه الأخبار أخباراً مشدّدة لوجوب إيصال حقوقهم والاهتمام في ذلك، مثل حسنة إبراهيم بن هاشم، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولَّى له الوقف بقم فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإنّي قد أنفقتها، فقال له: «أنت في حلّ».
فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام: «أحدهم يثب على أموال آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثمّ يجيء فيقول: اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل، واللَّه ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالًا حثيثاً».
أقول: لا ينافي تحليله عليه السلام من ماله سؤاله تعالى منه يوم القيامة عن سوء فعله إذا لم يتب عن ذلك وكان مقصّراً.
ولا وجه للقدح في دلالة الرواية بأنّ السائل لعلَّه لم يكن من الشيعة، وأنّ المال مال الوقف، لا مما نحن فيه، فإنّه يدفعه الظهور في الأوّل، وعموم قوله عليه السلام بعد خروج السائل.
وما رواه الكليني، عن محمّد بن يزيد الطبري، قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس فكتب إليه: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم إنّ اللَّه واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهمّ، لا يحلّ مال إلا من وجه أحلَّه اللَّه، إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا، وما نبذله وما نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا» الحديث. وأيضاً عنه قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: «ما أمحل هذا، تمحضونا المودّة بألسنتكم وتزوون عنّا حقّا جعله اللَّه لنا وجعلنا له، وهو الخمس، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حلّ». إلى غير ذلك من الأخبار المؤكَّدة في أمر الخمس وإيجاب دفعه، وأنّه موجب لتزكية المال وتطهيره، مثل رواية أبي بصير قال، قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال، قال: «من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم».
وموثّقة ابن بكير عن الصادق عليه السلام قال: «إنّي لأخذ الدرهم، وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالًا، ما أُريد بذلك إلا أن تطهروا». ورواية أبي بصير عن الباقر عليه السلام في حديث قال: «لا يحلّ لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقّنا» إلى غير ذلك من الأخبار)) انتهى. [غنائم الأيام، الميرزا القمي، ج4، ص384].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.