مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لماذا قال الله تعالى : اعبدوا ربّكم ، ولم يقل آمنوا بربّكم .. فالإيمان يقتضى التقوى دون العبادة ؟!

تفاصيل المنشور

الاشكال

لماذا قال الله تعالى اعبدوا ربّكم ولم يقل آمنوا بربّكم والإيمان يقتضي التقوى، أمّا العبادة فلا تقتضي ذلك ، فالعبادة قد يقوم بها المنافق وهو لا يخاف من ربّه ؛لأنّ الله وصف المنافقين بالفاسقين؟ وجزاكم الله خيرا ..

المستشكل

مرتضى المالكي

تفاصيل المنشور

الاشكال

لماذا قال الله تعالى اعبدوا ربّكم ولم يقل آمنوا بربّكم والإيمان يقتضي التقوى، أمّا العبادة فلا تقتضي ذلك ، فالعبادة قد يقوم بها المنافق وهو لا يخاف من ربّه ؛لأنّ الله وصف المنافقين بالفاسقين؟ وجزاكم الله خيرا ..

الأخ مرتضى المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

ما تفضلتم به ليس صحيحاً ، فالعبادة شرعاً تعني الخضوع والتذلل لله وحده تعظيماً له – وهي في معناها اللغوي تعني التذلل والخضوع أيضاً – ، والعبادة هي نتيجة الإيمان ، الذي هو أمر عقدي قلبي ، لأنّ الإيمان هو التصديق بكلّ ما ثبت في الشريعة ،أي قبول النفس لذلك والإذعان له ، على ما هو تفسير التصديق في المنطق عند المحقّقين ( انظر: المواقف للأيجي 3: 527، وشرح المقاصد للتفتازاني 2: 247)

والدليل على كون الإيمان هو التصديق بالقلب قوله تعالى : { أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} المجادلة :22، الدال على أنّ الإيمان موضعه القلب ، وكذا قوله تعالى في سورة الحجرات نفسها : { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } الحجرات : 14.

والعبادة تعني الخضوع لأوامر الشريعة والعمل بها تذللاً لله سبحانه وحده .

قال الطبري في تفسير قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}سورة البقرة :21 : (( معنى العبادة الخضوع لله بالطاعة والتذلل له بالاستكانة )).( تفسير الطبري 1: 232)

وقال القرطبي في تفسيره : (( ” اعبدوا ” أمر بالعبادة له . والعبادة هنا عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه . وأصل العبادة الخضوع والتذلل ، يقال : طريق معبدة إذا كانت موطوءة بالاقدام )). ( تفسير القرطبي 1: 225)

وجاء في تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني : (( ( اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) * أطيعوا ربكم من حيث أمركم )). ( تفسير البرهان 1: 151)

وجاء في التفسير المبين للشيخ مغنية : (( ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) * حقا وصدقا لا رياء ونفاقا)). ( التفسير المبين : 6)

وجاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي : (( قوله تعالى : يا أيّها الناس اعبدوا ( إلخ ) ، لما بيّن سبحانه : حال الفرق الثلاث : المتقين ، والكافرين ، والمنافقين ، وأنَّ المتقين على هدى من ربّهم والقرآن هدى لهم ، وأنّ الكافرين مختوم على قلوبهم ، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وأنّ المنافقين مرضى وزادهم الله مرضاً وهم صم بكم عمى ( وذلك في تمام تسع عشرة آية ) فرّع تعالى على ذلك أن دعى الناس إلى عبادته وأن يلتحقوا بالمتقين دون الكافرين والمنافقين بهذه الآيات الخمس إلى قوله : خالدون . وهذا السياق يعطي كون قوله : لعلكم تتقون متعلّقا بقوله : اعبدوا ، دون قوله خلقكم وان كان المعنى صحيحاً على كلا التقديرين )). ( تفسير الميزان 1: 57)

فهذه الكلمات من العلماء في تفسير معنى العبادة أجمعت بأنّ المراد من العبادة هو الخضوع لله سبحانه ، وهو لا يتمّ إلّا بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه ، وهي تشمل معنى التقوى ؛ لأنّ التقوى – وهي أن يجعل الإنسان نفسه في وقاية ممّا يغضب الله ويحفظها من التعرّض لعذابه وسخطه – لا تكون إلّا بامتثال أوامره سبحانه واجتناب نواهيه ، فهي تحاكي معنى العبادة من هذه الناحية .

نعم ، لعلّ ما خطر في ذهنكم بأنّ العبادة تعني الصلاة ، وهذه الصلاة قد يؤديها المنافق رياء كما يؤديها المسلم ؛ لذا تكون الدعوة إليها من قبل الله عزّ وجل ليست تامّة .

الجواب : حتّى لو فرضنا أنّ العبادة تعني في المنصرف العرفي هذه الصلاة ، فالأمر بها لا يعني شمولها للمنافق وإثابتها عليه فيما لو جاء بها ، فالله سبحانه وتعالى أعرف بمن يأتي بصلاته لوجهه سبحانه فيثيبه على إخلاصه ومن يأتي بها رياء فيحرمه من ثوابه .

ودمتم سالمين