تفاصيل المنشور
- المستشكل - فيفيان
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 27 مشاهدة
تفاصيل المنشور
قلما يجيب أحد من المسلمين على السؤال البديهي التالي: لماذا تعددت الديانات السماوية حتى صارى اليهودية والمسيحية والإسلامية ؟ ألا يدل تعددها على أنها من وضع البشر؟
المستشكل
فيفيان
قلما يجيب أحد من المسلمين على السؤال البديهي التالي: لماذا تعددت الديانات السماوية حتى صارى اليهودية والمسيحية والإسلامية ؟ ألا يدل تعددها على أنها من وضع البشر؟
تحية طيبة وبعد ..
أولاً – القول بتعدد الأديان السماوية خلط عجيب وفهم غريب، فالدين واحد وهو الإسلام، وانما اختلفت وتعددت الشرائع (المناهج والسبل) بين نبي وآخر، قال الحق تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48]، أي جعلنا لكم أيها الرسل والأنبياء ديناً واحداً، لكنا جعلنا لكل منكم طريقاً وسبيلاً في تحديد سير هذا الدّين بين الناس ، وبدين الإسلام بُعث جميع الأنبياء والرسل، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [ال عمران: 19]، لكن يظهر أنّ الكاتبة خلطت بين مصطلحي الدّين والشريعة أو تعمدت ذلك، فالفرق بين الدين والشريعة، أنّ الدين هو السنّة والطريقة الإلهية العامّة لجميع الأمم، والشريعة هي الطريقة الممهدة لامة من الأمم أو لنبي من الأنبياء الذين بعثوا بها وهي دون الدين بمعناه الوسيع.
ثانياً – لقد ذكر الحق سبحانه وتعالى في غير ما موضع في القرآن الكريم، أنّ الإسلام دين ودعوة جميع الأنبياء والمرسلين، قال تعالى مخبراً عن إسلام الأنبياء الذين تقدموا: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة :44]، وقال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78].
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ “اليهودية” اسم مستحدث لا أصل له، فليس هو أسم رسالة نبي الله موسى (عليه السلام) وليس له ذكر لا في التوراة ولا في التلمود ولا حتى في المشنا (تفسير التوراة)، بل ليس له وجود في الكتب اليهودية، وإنما سميت كذلك لأنها أوحيت إلى يهود بني إسرائيل. ومن ثم، سميت باسمهم. مع أنّ اليهود أنفسهم لم يطلقوا على رسالتهم هذا العنوان، وإنما أطلقه غيرهم تمييزا لهم عن باقي الرسالات السماوية.
فرسالة موسى (عليه السلام) هي الخضوع والاستسلام لإرادة الله وهو معنى الإسلام.
كما أنّ “المسيحية” – أيضاً – عنوان مستحدث لا أصل له، ولا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد برسالة نبي الله عيسى (عليه السلام)، فهذا العنوان “المسيحية” لم يرد له ذكر في اناجيل العهد الجديد أصلاً، وإنما كانت رسالة عيسى تدعو إلى الخضوع والاستسلام لإرادة الله وهو معنى الإسلام.
أما عنوان “الإسلام” كاسم للرسالة السماوية الخاتمة التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فان ما يميزه عن مسمى اليهودية والمسيحية أنه غير منسوب إلى جنس أو عرق معين، كما أنه ليس منسوبا إلى اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المبعوث به، كما تشترك فيه جميع الرسالات السماوية الحقة، لأن معناه إسلام الوجه لله تعالى، وهذا المعنى يتيح لكل انسان بصرف النظر عن جنسه وعرقه ولونه ولغة لسانه، أن يسلم وجهه لله تعالى.
فالإسلام دين نوح (عليه السلام)، في قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس :72].
والإسلام دين إبراهيم (عليه السلام)، في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة :131]. وأخبر عنه في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً} [البقرة: 127-128].
والإسلام دين يعقوب (عليه السلام)، وبنيه، في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].
والإسلام دين يوسف (عليه السلام)، في قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
والإسلام دين موسى وهارون (عليهما السلام)، في قوله تعالى: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:126]، وأخبر القرآن الكريم عن موسى (عليه السلام) مخاطبا قومه في قوله تعالى: {يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس :84].
والإسلام دين حواريو عيسى (عليه السلام)، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة :111].
والإسلام دين سليمان (عليه السلام)، في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30-31]، وأخبر القرآن الكريم عن إسلام ملكة سبأ في قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل :44].
بل حتى الطاغية فرعون كان يدرك أن دين موسى (عليه السلام) هو الإسلام، وذلك لما أدركه الغرق، فقد أخبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90].
ثالثاً – إنّ من يدّعون أنّ الدين من وضع البشر هم القلة القليلة على مرّ الزمان، بينما السواد الأكبر والأعظم من عقلاء وعلماء ومفكرين، وعباقرة، وفلاسفة آمنوا بهذا الدين وبربانيته وعالميته بعد أن تفحصوا وتدققوا وتعمقوا.
يقول الفيلسوف رينيه ديكارت (1596-1650) صاحب نظرية «أنا أفكر إذن أنا موجود»، في كتابه الشهير “مقالة في المنهج”: «نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان، وصاحب شريعتهم محمد، عجزَ العرب عن مجاراة قرآنه وفصاحته، بل لم يأتِ التاريخ برجل أفصح منه لساناً، وأبلغ منه منطقاً، وأعظم منه خُلقاً، وذلك دليل على ما يتمتع به نبي المسلمين من الصفات الحميدة، التي أهّلته لأن يكون نبياً في آخر حلقات الأنبياء، ولأن يعتنق دينه مئات الملايين من البشر».
ويقول الفيلسوف يوهان غوته (1749- 1832): «يجب النظر إلى النبي محمد على أنه نبي لله وليس شاعراً. ويجب النظر إلى القرآن الذي جاء به على أنه قانون إلهي وليس كتاباً من عنده».
وأما المستشرق الأمريكي واشنطن ايرفنج، فقد أولى اهتماما كبيرا لتاريخ المسلمين في الأندلس، حيث يقول: «كانت التوراة في يوم ما هي مرشد وأساس سلوكه، حتى إذا ظهر المسيح عليه السلام اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل، ثم حل القرآن مكانهما، فقد كان القرآن أكثر شمولا وتفصيلا من الكتابين السابقين، كما صحح القرآن ما قد أدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل، وحوى جميع القوانين إذ إنه خاتم الكتب السماوية»، وغيرهم مما لا يسع هذا المختصر ذكرهم.