مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لماذا تبكون على الحسين وهو قد استشهد منذ أكثر من الف وثلثمائة عام؟!

تفاصيل المنشور

الاشكال

إنّ الحسين (عليه السلام) قد استشهد قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام، والشيعة يبكون عليه، أليس البكاء ضعفاً منهم، وهو في الوقت ذاته مغالاة في الدين؟

المستشكل

ماجد المزني

تفاصيل المنشور

الاشكال

إنّ الحسين (عليه السلام) قد استشهد قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام، والشيعة يبكون عليه، أليس البكاء ضعفاً منهم، وهو في الوقت ذاته مغالاة في الدين؟

الأخ ماجد المحترم، السلام عليكم

البكاء على الحسين ( عليه السلام ) هو البكاء على الدين الذي ذُبح بأيدي العتاة والمردة ، هو الصيحة المستمرة على مرّ التاريخ بوجه الطغاة بأنّ الظلم مهما طال أمده وتجذرت قوته فهو إلى زوال واضمحلال وذلّ ولعنة وأنّ الخلود والمجد هو للحقّ وأهله الأباة ، فهو صرخة المظلومين بوجه الظالمين ، ومن هنا تعرف سرّ منع الطواغيت على مرّ التاريخ للشعائر الحسينية والحدّ من انتشارها حتّى لا تسري جذوة الروح الحسينية في قلوب المؤمنين وينتفضون على ظالميهم.

فهم يعرفون جيدا أنّ مجالس العزاء والبكاء على الحسين ( عليه السلام ) هي مدارس عظيمة يتعلّم فيها المؤمنون أسمى آيات الولاء لله ورسوله وأهل بيته الطيبين الطاهرين ويتعلمون دروس العزّ والشموخ والإباء .

يقول الفيلسوف الألماني المسيو ماربين في كتابه ” السياسة الاسلامية ” : (( لقد حضرت دفعات في المجالس التي يُذكر فيها عزاء الحسين في اسلامبول مع مترجم وسمعتهم يقولون : الحسين الذي كان إمامنا ومقتدانا ، ومن تجب طاعته ومتابعته علينا لم يتحمل الضيم ، ولم يدخل في طاعة يزيد ، وجاد بنفسه وعياله ، وأولاده ، وأمواله … فعلمت أنّهم في الحقيقة يدرّس بعضهم بعضاً علناً بأنّكم إن كنتم شيعة الحسين ، وأصحاب شرف ، وإن كنتم تطلبون السيادة والفخر ، فلا تدخلوا في أمثال طاعة يزيد ،ولا تتحملوا الذلّ ، بل اختاروا الموت بعزّة على الحياة بذلّة )) انتهى

أمّا دعوى الغلو في الدين فلا نجد لها محلاً من الأعراب في مقامنا ، فمشروعية البكاء والحزن على الأموات وإن طال أمد موتهم أمر ثابت في الشريعة الإسلامية.. فقد روى البخاري في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن بالإسناد إلى عائشة أنّه لما جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس – أي في المسجد كما في رواية أبي داود – يعرف فيه الحزن .[ صحيح البخاري 2: 83]

وأخرج البخاري في الباب نفسه عن أنس قال: قنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شهرا حين قتل القرّاء ، فما رأيته حزن حزنا قط أشدّ منه … الحديث [ صحيح البخاري 2: 84 ، وأخرجه مسلم أيضا في باب التشديد في النياحة].

وقد تواتر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حاله من الحزن الشديد على عمّه أبي طالب وزوجته الصدّيقة الكبرى خديجة أم المؤمنين وهما قد ماتا في عام واحد ، سمّي ذلك العام بعام الحزن .

فهذه موارد ثلاثة تامّة السند والدلالة تثبت لنا مشروعية الحزن والجلوس للمصيبة .. بل تفيد رجحانه واستحبابه فيما إذا كان متعلق الحزن والجلوس للمصيبة أمر ديني ، كالحزن على الشهداء الذين ضحوا بمهجهم في سبيل رفعة الدين ( كما في حزن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -على شهداء مؤتة : زيد وجعفر وابن رواحة )، أو الحزن على من كانوا فتية صالحين ( كالحزن على القرّاء )، أو الحزن على من كانت لهم مواقف مشهودة في نصرة النبي ودعم الرسالة ( كالحزن على أبي طالب وخديجة الكبرى ) ..

وأما خصوص البكاء على رجالات الدين والشهداء ..فقد روى أحمد بسنده عن نافع عن إبن عمر : أنّ رسول الله (ص) لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن ، قال : فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ولكن حمزة لا بواكي له ، قال : ثمّ نام فإستنبه وهنّ يبكين قال : فهنّ اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة .[ مسند أحمد ، ج4 ح 4984، صححه أحمد محمد شاكر في تعليقته على المسند].

وهذا الحديث رواه أيضاً الحاكم في مستدركه على الصحيحين ، ثمّ قال عنه : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا ) ، وقد وافقه الذهبي على كلا الأمرين : أي على تصحيحه للحديث وعلى شهادته بانّ نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة سيد الشهداء وإلى يوم الذهبي . [ المستدرك على الصحيحين 1: 537]

وإذا علمنا أنّ الذهبي قد توفي في القرن الثامن الهجري ( 748هـ) ، فهذا معناه أنّ الندب والبكاء على حمزة سيد الشهداء قد استمر لمئات السنين بعد وفاته .

فهاهن نساء الأنصار يندبن حمزة سيد الشهداء على مرأى ومسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )،ثمّ على مرأى ومسمع من الصحابة ، ثمّ على مرأى ومسمع من التابعين وتابعي التابعين (وهم أصحاب خير القرون كما يسمّونهم ) وإلى مئات من السنين .. فأين الغلو في الموضوع ؟!!!

وهذه الجهة من التأثر الشديد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بمقتل عمّه حمزة ( عليه السلام ) هي بعينها موجودة في حقّ الحسين (عليه السلام) بل أشدّ منها.. فقد روى البويصري في “اتحاف المهرة الخيرة” عن ابن عباس قوله : رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا ؟ قال:هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم. قال: فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم .

قال البويصري : رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأحمد بن منيع وعبد بن حميد بسند صحيح .[ اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة9 : 318، وراجع أيضا مسند أحمد2: 551 بتحقيق أحمد محمد شاكر الذي نصّ على صحته].

وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : (من رآني في المنام كأنما رآني في اليقظة ، إنّ الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي) .[ صحيح سنن ابن ماجة -للألباني- 3: 275]

وأيضا روى البويصري عن أم المؤمنين أم سلمة قولها : كان النبي – صلى الله عليه وسلم – نائمًا في بيتي فجاء الحسين يدرج قالت: فقعدت على الباب فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت: ثمّ غفلت في شيء فدب فدخل فقعد على بطنه قالت: فسمعت نحيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجئت فقلت: يا رسول الله ما علمت به. فقال: إنّما جاءني جبريل- عليه السلام- وهو على بطني قاعد فقال لي: أتحبه؟ فقلت: نعم. قال: إنّ أمتك ستقتله ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال: فقلت: بلى. قال: فضرب بجناحه فأتاني هذه التربة. قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: ليت شعري من يقتلك بعدي “.

قال البويصري :رواه عبد بن حميد بسند صحيح وأحمد بن حنبل مختصرا .[ اتحاف الخيرة المهرة ، ح 6755]

وفي رواية الطبراني : ( فسمعت نشيج رسول الله ) .[ مجمع الزوائد 9: 219، قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، رجال أحدها ثقات]

والنشيج – كما في لسان العرب لابن منظور ، حرف النون ، نشج – هو أشدّ البكاء ..وهو صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاءه ونحيبه في صدره ، والطعنة تنشج عند خروج الدم : تسمع لها صوتا في جوفها والقدر تنشج عند الغليان .[ لسان العرب 2: 378، وانظر : معجم مقاييس اللغة 5: 429]

ودمتم سالمين