تفاصيل المنشور
- المستشكل - أتش روج
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 11 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لا يمكن إقناع المؤمنين الذين يعتقدون بوجود إله بأن الدين يمنع من العلم ومن تحصيله لأن اعتقادهم مبني على رغبة عميقة لديهم للإيمان بوجود إله.. والحقيقة التي لا يتقبلونها هي أن العلماء كلما توغلوا بالعلم اكتشفوا أن ليس وراء هذا العالم إله! فالعلم يثبت عدم وجود إله والعلم يثبت أن الدين يمنع المتدينين من تحصيل العلم.
المستشكل
أتش روج
لا يمكن إقناع المؤمنين الذين يعتقدون بوجود إله بأن الدين يمنع من العلم ومن تحصيله لأن اعتقادهم مبني على رغبة عميقة لديهم للإيمان بوجود إله.. والحقيقة التي لا يتقبلونها هي أن العلماء كلما توغلوا بالعلم اكتشفوا أن ليس وراء هذا العالم إله! فالعلم يثبت عدم وجود إله والعلم يثبت أن الدين يمنع المتدينين من تحصيل العلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
ينطلق المستشكل في تقييمه من واقع التدين المسيحي في أمريكا، وهو تدين خرافي يعتمد على اساطير الكتاب المقدس، وغير خافٍ أن الكنيسة لعبت دورا مناهضا للعلم بدعوى تعارضه مع إيمانياتها الخاصة، وفكرة التعارض أو النزاع بين العلم والدين قد ظهرت في أوروبا أثناء عصر سيطرة الكنيسة، وتحديدًا مع اضطهاد الكنيسة لرجال العلم التجريبي، حيث كانت كل السلطات الدينية والعلمية بيد الكنيسة، وكانت كل الآراء العلمية لا تخرج ولا يُعترف بها إلا بإذن الكنيسة، وكانت تُحرّم على الناس البحث وإبداء آرائهم في العلوم الطبيعية، وخلاف ذلك يُعدّ كفرا بالرب!
وقول المستشكل: (لأن اعتقادهم مبني على رغبة عميقة لديهم للإيمان بوجود إله…)! يجاب عنه:
أن الدين يعدّ من أهم العناصر المكونة للمجتمعات، فمن الطبيعي أن يكون هناك تدين شكلي لا يهمه من الدين سوى الحفاظ على هويته الاجتماعية، غير أن ذلك لا علاقة له بفلسفة الأديان بشكل عام وفلسفة الإسلام بشكل خاص، لأن الأديان ليست إيمانيات فارغة وأفكارا خاوية وإنما حقائق تكشف عن الأسئلة الفلسفية الكبرى التي سعى الإنسان للإجابة عنها، مثل من خلق الكون ومن أين جاء ولماذا جاء؟ وغيرها من الأسئلة التي ترسم الفلسفة الكونية للإنسان.
فالدين يحقق للإنسان تكاملا روحيا وانسجاما معرفيا، من أجل إيجاد حياة متوازنة لا تكون فيها المادة طاغية على حساب الروح، ولا يكون فيها الحس محور الإهتمام بعيدا عن المعنى، ولا تكون فيها المصلحة الشخصية مصادرة للقيم الأخلاقية، وكل ذلك لا علاقة له بما يتوصل إليه العلم الحديث من علوم في مجال الطبيعة والمادة.
والإسلام كدين خاتم للأديان السماوية أهتم بالعلم والعلماء، فيقول عزّ من قائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] كما اهتم بالحقيقة القائمة على البرهان، يقول الحق سبحانه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111]، كما أمر بالعقل والتعقل والتفكر، فيقول سبحانه: { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:219]، وقوله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118]، وكل ذلك يكشف عن حرص الإسلام واهتمامه بالحقيقة والتحري من أجل الوصول إليها والوقوف عليها، فالمؤمن حقا هو الإنسان الذي لا يستسلم ابدا في طلبه للعلم والمعرفة، قال تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، الأمر الذي يكشف عن عدم وجود سقف للعلم يقف عنده الإنسان المؤمن.
وقوله: ((أن العلماء كلما توغلوا بالعلم اكتشفوا أن ليس وراء هذا العالم إله))، يكذّبه عالم الكيمياء والرياضة “جون كليفلاند كوثران” [وهو من علماء الكيمياء والرياضة – دكتوراه من جامعة كورنل – رئيس قسم العلوم الطبيعية بجامعة دولث – أخصائي في تحضير النترازول وفي تنقية التنجستين] الذي ينقل ما قاله عالم الطبيعة “لورد كيلفي” [وهو من علماء الطبيعة البارزين في العالم]، هذه العبارة التي وصفها بالقيمة: ((إذا فكرت تفكيراً عميقاً فإن العلوم سوف تضطرك إلى الإعتقاد في وجود الله)).. وقال جون كليفلاند معقباً: ((ولا بدّ أن أعلن عن موافقتي كل الموافقة على هذه العبارة)) [الله يتجلى في عصر العلم، لجون كلوفر مونسما، ص27].
وختم جون مقالته مصرحاً: ((ان التقدّم الذي أحرزته العلوم منذ أيام لورد كيلفن يجعلنا نؤكد بصورة لم يسبق لها مثيل ما قاله من قبل من أننا إذا فكرنا تفكيراً عميقا فان العلوم سوف تضطرنا إلى الايمان بالله)) [الله يتجلى في عصر العلم، ص31].
وان معظم كبار علماء الفيزياء القدماء والمعاصرين كانوا مؤمنين بالله، منهم: نيوتن، وماكس بلاكس، وألبرت أنشتاين، وفيرنر هايزنبرغ، وماكسويل، وبول ديراك، ومحجوب عبيد طه، ومحمد باسل الطائي، وغيرهم كثيرين.
والشواهد من أقوال هؤلاء العلماء وغيرهم كثيرة، منها:
1 – قول عالم الفيزياء الألماني “فيرنر هيزنبرغ”: ((كنت طوال حياتي مدفوعاً إلى تأمل العلاقة بين العلم والدين، ولم أجد في أي وقت مهرباً من الإقرار بدلالة العلم على وجود الله)) [رحلة عقل، ص88-89].
2 – قول عالم فيزياء الألماني “ماكس بلانك”: ((إن كلا من الدين والعلم يحارب في معارك مشتركة لا تكلّ، ضد الادعاء والشك والتسلط والإلحاد، من أجل الوصول إلى معرفة الإله)) [رحلة عقل، ص89].
3 – قول عالم الفلك الإنجليزي “هيرشل”: ((كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة على وجود خالق أزلي لا حدّ لقدرته ولا نهاية)) [أوهام الملحدين، لشحاته صقر، ص38].
4 – قول عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية الأمريكي “وولتر أوسكار لندبرج”: ((أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشف جديد في ميدان من الميادين، إذ إن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد إدراكهم وأبصارهم لأيادي الله في هذا الكون)) [المصدر السابق].
5 – قول عالم الطبيعة ورئيس قسم البحوث الذرية بالبحرية الأمريكية، والأخصائي في الإشعاع الشمسي والبصريات الهندسية والطبيعية “جورج ايرل دافيز” الذي فنّد تلك المقولة التي تجعل العلم حكراً على الملاحدة، بقوله: ((وليس معنى ذلك أننا ننكر وجود الإلحاد والملحدين بين المشتغلين بدراسة العلوم، إلا أن الاعتقاد الشائع بأن الإلحاد منتشر بين رجال العلوم أكثر من انتشاره بين غيرهم، لا يقوم على صحته دليل، بل إنه يتعارض مع ما نلاحظه فعلا من شيوع الإيمان بين جمهرة المشتغلين بالعلوم)) [الكون بين التوحيد والإلحاد، لنور الدين أبو لحية، ص41-42].
ويؤكد البروفيسور الكيمياء “فرِتز” الحاصل على جائزة نوبل: ((أنه من النادر جداً أن تجد عالماً في الفيزياء ملحداً)) [نقد عقل الملحد، لخالد علال، ص169]، ومعنى كلامه أن علم الفيزياء علم مؤمن بالله وليس ملحداً، لأن الغالبية العظمى من المشتغلين به ليسوا ملاحدة وانما هم من المؤمنين بوجود إله خالق.
فلا قيمة لكلام المستشكل بإزاء أقوال هؤلاء العلماء.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.