مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لا غرابة في بكاء الملائكة على الحسين (ع) ونزولهم عند قبره

السائل

عامر أبو راشد

تفاصيل المنشور

السؤال

الغريب والعجيب عند الرافضة أن الملائكة تبكي، فهي تبكي على قبر الحسين رضي الله عنه: رووا عن أبي عبد الله قال: “وكَّلَ الله بقبر الحسين ع أربعةَ آلاف ملك، شعث غبرٌ، يبكونه إلى يوم القيامة”، لم يكتف الرافضة أنهم قبوريون بل جعلوا الملائكة أيضا قبورية.

بسمه تعالى

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
لا غرابة في ذلك ولا عجب، فبكاء الملائكة ورد بخصوصه حديث رواه البيهقي في “شعب الإيمان” عن الهيثم بن مالك، قال: ((خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فبكى رجل بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو شهدكم اليوم كل مؤمن عليه من الذنوب كأمثال الجبال الرواسي، لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة تبكي وتدعو له وتقول: اللهم شفع البكائين فيمن لم يبك)) [شعب الايمان، ج2، ص241].
وأما نزول الملائكة عند القبور، فقد ثبت أنها تنزل عند قبور الأنبياء والصالحين، وها هو ابن تيمية يعدّ نزول الملائكة عند قبور الأنبياء والصالحين من الكرامات وخوارق العادات، إذ يقول في كتابه “اقتضاء الصراط”: ((كذلك ما يذكر من الكرامات، وخوارق العادات، التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها)) [اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص255].
وذكر الحافظ ابن كثير الدمشقي في كتابه “النهاية” أنّ الملائكة تحف بقبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله سلّم) وتتبرّك به، فقال: ((أنّ كعبا الأحبار قال: ما من فجر يطلع إلاّ نزل سبعون ألفا من الملائكة حتّى يحفّوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويُصلّون على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم وصنعوا مثل ذلك حتّى إذا انشقّت الأرض خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبعين ألفا من الملائكة يوقّرونه صلّى الله عليه وسلّم)) [النهاية في الفتن والملاحم، ج1، ص314].
وإذا كان قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من العرش والكرسي واللوح والقلم والبيت المعمور والكعبة المشرفة، كما صرّح بذلك العلامة الحصكفي، في “الدر المختار”، فقال: ((مكة أفضل من المدينة على الراجح إلا ما ضم أعضاءه عليه الصلاة والسلام فإنه أفضل مطلقا حتى من الكعبة والعرش والكرسي)) [الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، ص175].
وقال الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي في “منح الجليل شرح مختصر خليل”: ((فإنه [صلى الله عليه وآله وسلم] أفضل من الكعبة والسماء والعرش والكرسي واللوح والقلم والبيت المعمور)) [منح الجليل شرح مختصر خليل، ج3، ص133].
والمذكورات التي فُضّل عليها قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي بلا شك محال الملائكة، فقطعاً يكون قبره (صلى الله عليه وآله وسلم) محل نزولها وتبركها بالأولوية.
ويلحق بقبره (صلى الله عليه وآله وسلم) قبر سبطه الشهيد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فيكون محل نزول الملائكة وتبركها، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((حسين مني وأنا من حسين))، الذي رواه أحمد [مسند أحمد، ج4، ص172-132]، والترمذي [سنن الترمذي، ج13، ص195]، وابن ماجه [سنن ابن ماجة، ح144]، وابن حبان [صحيح ابن حبان، ج15، ص428]، والحاكم، [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص177]، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
فلو حملنا معنى الحديث على ما بينه علماء أهل السنة، كما جاء في حاشية السندي على ابن ماجه: ((قوله “حسين مني وأنا من حسين” أي بيننا من الاتحاد والاتصال ما يصح أن يقال كل منهما من الآخر)) [حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ص65].
وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري، قال: ((قوله “حسين مني وأنا من حسين” قال القاضي: كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر، وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله “أحب الله من أحب حسينا” فإن محبته محبة الرسول، ومحبة الرسول محبة الله)) [تحفة الأحوذي، ج10، ص178].
وأدركنا أن ما بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الحسين (عليه السلام) من الاتحاد والاتصال ما يصح أن يقال أنّ كل منهما من الآخر، وأنهما كشيء واحد، سننتهي إلى نتيجة واضحة وهي أن قبر الحسين (عليه السلام) محل نزول الملائكة وتبركها.
وقد روت مصادر أهل السنة أن الملائكة تحج إلى قبر معلم القرآن، كما يحج الناس إلى البيت العتيق، فقد روى الديلمي في “الفردوس بمأثور الخطاب” عن أبي هريرة، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا هريرة تعلم القرآن وعلمه ولا تزال كذلك حتى يأتيك الموت، فإن أتاك الموت وأنت كذلك حجت الملائكة إلى قبرك كما تحج المؤمنون إلى بيت الحرام وإن أحببت ألا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدث في دين الله حدثاً برأيك)) [الفردوس بمأثور الخطاب، ج5، ص345].
ومثله مختصرا عن علي (عليه السلام)، ولفظه: ((يا علي تعلم القرآن وعلمه الناس فإن مت حجت الملائكة إلى قبرك كما تحج الناس إلى البيت العتيق)) [المصدر نفسه، ج5، ص320].
والرواية التي نقلها المستشكل من كتب الشيعة الإمامية متعجباً منها، رواها – أيضاً – بعض علماء أهل السنة، كالمحب الطبري في “ذخائر العقبى”، قال: ((ذكر ما جاء في زيارة قبر الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما: عن موسى بن عليّ الرّضا بن جعفر قال: «سئل جعفر بن محمّد عن زيارة قبر الحسين فقال: «أخبرني أبي أنّ من زار قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقّه كتب اللّه له في علّيّين. وقال: «إنّ حول قبر الحسين سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة»)) [مناقب ذوي القربى، ج٢، ص151].
ورواها ابن المغازلي في “مناقب عليّ” فقال: ((وبالإسناد حدّثنا الرَّبَعيُّ حدّثنا فُضيل بن يَسّار قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) أيُّ قبور الشهداء أفضل؟ قال: أوليس أفضل الشهداء عندك الحسين (عليه السلام)؟ فوالذي نفسي بيده إنّ حوْل قبره أربعين ألف ملك شُعْثاً غُبْراً يَبكُون عليه إلى يوم القيامة)) [مناقب علي بن أبي طالب، ص ٣١٦].
ورواها شهاب الدين أحمد الأيجي الشافعي – من أعلام القرن التاسع- في “توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل” فقال: ((وعن عليّ بن موسى الرضا ابن جعفر عليهم السّلام قال: سئل جعفر بن محمد عن زيارة قبر الحسين عليه السّلام فقال: «أخبرني أبي: من زار قبر الحسين عليه السّلام، عارفا بحقّه، كتب اللّه له في عليّين». وقال: «إنّ حول قبر الحسين سبعون ألف ملك شعثا غبرا، يبكون عليه إلى يوم القيامة» رواه الطبري وقال: خرّجه أبو الحسين العتيقي)) [توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل، ص ٥٢٢].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.