تفاصيل المنشور
- السائل - معتز البطاينة
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 21 مشاهدة
تفاصيل المنشور
سيدُنا معاوية رضي الله عنه مؤمنُ إحدى الطائفتين المذكورتين في كتاب الله تعالى، بقوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، وقد اتّفق السلَف والخلَف على عدالته وإيمانه، إلا الرافضة قبَّحهم الله، فقد كفَّروه!!
السائل
معتز البطاينة
سيدُنا معاوية رضي الله عنه مؤمنُ إحدى الطائفتين المذكورتين في كتاب الله تعالى، بقوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، وقد اتّفق السلَف والخلَف على عدالته وإيمانه، إلا الرافضة قبَّحهم الله، فقد كفَّروه!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
الاستدلال بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]، لإضفاء صفة الإيمان على جميع الصحابة الذين تقاتلوا في الجمل وصفّين، يدعونا إلى طرح السؤال الآتي على المستشكل ومَن على شاكلته، وهو: هل المؤمنُ يدعو إلى النار؟!
من الواضح جدًّا أن المؤمن لا يدعو إلى النار، وإلا لانسلختْ عنه صفة الإيمان!!
فإذا علمنا هذا، نقول: فقد ثبت أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في حقِّ “معاوية” ومن معه من الصحابة في جيشه الذين قاتلوا أمير المؤمنين عليًّا (عليه السلام) في صفِّين، أنهم بُغاة، وأنهم يدعون إلى النار، كما جاء في حديث البخاري: ((ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار)) [صحيح البخاري، ج3، ص207].
وهذا الحديث الشريف صريحٌ بانسلاخ صفة الإيمان عن البُغاة والدُّعاة إلى النار، فلا يمكن أن تجتمع صفة الإيمان مع الدعوة إلى النار، فالدعوة إلى النار هي دعوةُ الشيطان كما ينصُّ عليه قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان:21].
وعليه، فالفئتان المتنازعتان من المؤمنين قبل اقتتالهما يصحُّ إطلاق صفة الإيمان عليهما، وأما بعد البغي وأمر الله بقتال الفئة الباغية {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات:9] فتنسلخ صفة الإيمان قهرًا عن الفئة الباغية، كما هو صريح حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحيح البخاري، وتبقى صفة الإيمان ثابتةً في حقِّ الفئة الأخرى غير الباغية، والتي عبّر عنها الحديث بالفئة الداعية إلى الله، كما في حديث عمار.
وإذا انسلخت صفة الإيمان عن إحداهما (وهي الفئة الباغية)، وبقيت صفة الإيمان ثابتة للأخرى، يكون قتلُ الباغي للمؤمن داخلًا تحت عموم قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، فالآية الشريفة عامة من هذه الناحية؛ إذ لم تُقيِّد قتل المؤمن العمديّ الموجب لدخول النار بحالةٍ دون أخرى، وبعمومها وإطلاقها يدخل قتل الباغي للمؤمن، وبذلك يثبت دخول كل الصحابة البغاة الذين قتلوا الصحابة المؤمنين من الطرف الآخر في النار، ولا يقدر على إبطال هذا الاستدلال العلمي المتين من أهل السُّنة أحدٌ إلا بالتلاعب في كلام الله ورسوله.
وأما قولك ((وقد اتَّفق السلَف والخلَف على عدالته وإيمانه، إلا الرافضة … فقد كفَّروه))!!
أقول: قد طَعن في معاوية بن أبي سفيان كثيرٌ من أئمة وعلماء أهل السُّنة، وحكموا بفسقه وكفره، واشتهر ذلك شهرةً عظيمة بين المسلمين، فممّن طعن فيه:
1 – الإمام الشافعي: قال أبو الفداء في تاريخه : ((ورويَ عن الشافعي رحمه الله تعالى أّنه أسرّ إلى الربيع أنه لا يقبل شهادة أربعةٍ من الصحابة، وهم معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد)) [تاريخ أبي الفداء المسمَّى “المختصر في أخبار البشر”، ج1، ص259، ورواه البغدادي في “خزانة الأدب”، ج6 ص51].
2 – الحسن البصري: روى الطبري وابن الأثير وابن الجوزي وأبو الفداء وابن كثير وغيرهم، عن الحسن البصري، أنه قال: ((أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنّ إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤهُ على هذه الأُمة بالسُّفهاء حتى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلاف ابنه بعده سكِّيرًا خمِّيرًا يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤهُ زيادًا، وقد قال رسول الله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتْله حُجْرًا، ويلًا له من حُجر وأصحاب حُجر، مرتين)) [تاريخ الطبري، ج4، ص208؛ الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ج3، ص487؛ المنتظم، لابن الجوزي، ج5، ص243؛ النجوم الزاهرة، لابن تغري بردي، ج1، ص185- جميعهم ذكروه في حوادث سنة 51 للهجرة -؛ تاريخ أبي الفداء المسمَّى بالمختصر في أخبار البشر، ج1، ص259، فصل استلحاق معاوية زيادًا؛ تاريخ ابن الوردي، ج1، ص160، حوادث سنة 45؛ البداية والنهاية، ج8، ص139، نقله بالمعنى؛ خزانة الأدب، ج6، ص51].
3 – الإمام عبد الرزاق الصنعاني: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ((قال أبو داود: وكان عبد الرزاق يعرِّض بمعاوية)) [تهذيب التهذيب، ج2، ص574، ط. الرسالة].
وقال الذهبي في الميزان: ((العقيلي: حدثني أحمد بن زكير الحضرمي، حدثنا محمد بن إسحاق بن يزيد البصري، سمعت مخلَّدًا الشعيري يقول: كنت عند عبد الرزاق، فذَكر رجلٌ معاوية، فقال: لا تُقذِّرْ مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان)) [ ميزان الاعتدال، ج2، ص610].
و”عبد الرزاق الصنعاني”، من كبار العلماء ومن رجال الصحاح الستة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة)، قال الحافظ ابن حجر: ((قال محمد بن إسماعيل الفزاري: بلغني ـ ونحنُ بصنعاء ـ أن أحمد (بن حنبل) ويحيى (بن معين) تركا حديث عبد الرزاق، فدخلَنا غَمٌّ شديد، فوافيت ابن معين في الموسم، فذكرتُ لهُ. فقال: يا أبا صالح، لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثَه)) [تهذيب التهذيب، ج2، ص574]، وقال أيضًا: ((وقال يعقوب بن شيبة، عن علي بن المديني: قال لي هشام بن يوسف: كان “عبد الرزاق” أعلمُنا وأحفظُنا. قال يعقوب: وكلاهما ثقة ثبْت)) [تهذيب التهذيب، ج2، ص573].
4 – الحافظ جرير بن عبد الحميد: قال ابن حجر العسقلاني: ((وقال الخليليّ في الإرشاد: ثقة متفَق عليه. وقال قتيبة: حدثنا جرير الحافظ المقدّم، لكنّي سمعتُه يشتُم معاوية علانية)) [تهذيب التهذيب، ج1، ص298].
و”جرير بن عبد الحميد”، ثقةٌ عادل من رجال الصحاح الستة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة)، قال ابن حجر العسقلاني: ((قال محمد بن سعد: كان ثقةً، يُرحل إليه، وقال ابن عمّار الموصلي: حجّة، كانت كتبه صحاحًا. وقال أبو القاسم اللالكائي: مُجمَعٌ على ثقته، وقال أبو أحمد الحاكم: هو عندهم ثقة. وقال الخليلي في الإرشاد: ثقة متَّفَق عليه. وقال ابن حبّان: كان من العُبّاد الخُشن. وقال علي بن المديني: كان جرير صاحب ليل، وثّقه ابن حجر والعجلي وأبو حاتم والنسائي وغيرهم)) [تهذيب التهذيب، ج1، ص297-298].
5 – الحافظ الفضل بن دكين: قال الحافظ الذهبي: ((أبو أحمد الحاكم: حدثنا الحسين الغازي، قال: سألت البخاري عن أبي غسان، قال: وعمّاذا تسأل؟ قلت: التشيُّع، فقال: هو على مذهب أهل بلده، ولو رأيتم عبيد الله بن موسى، وأبا نعيم، وجماعة مشايخنا الكوفيين، لما سألتمونا عن أبي غسان. (قال الذهبي): وقد كان أبو نعيم وعبيد الله معظّمين لأبي بكر وعمر، وإنما كانا ينالان من معاوية وذويه)) [سِيَر أعلام النبلاء، ج10، ص432].
و”أبو نعيم الفضل بن دكين”، هو الثقة العدل الحافظ من رجال الصحاح الستة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة)، قال الذهبي: ((أبو نعيم الفضل بن دكين الحافظ الكبير شيخ الإسلام… )) [سِيَر أعلام النبلاء، ج1، ص142].
6 – الحافظ الكبير سليمان بن مهران الأعمش: روى البلاذري في “أنساب الأشراف” بسند صحيح، قال: ((وحدثني عبد الله بن صالح العجلي، عن عبيد الله بن موسى، قال: ذُكر معاوية عند الأعمش، فقالوا: كان حليمًا، فقال الأعمش: كيف يكون حليمًا، وقد قاتل عليًّا، وطلب – زعم – بدم عثمان من لم يقتله؟! وما هو ودم عثمان؟! وغيره كان أولى بعثمان منه. وحدثت عن شريك، عن الأعمش أنه قال: كيف يُعَدُّ معاوية حليمًا، وقد قاتل عليّ بن أبي طالب؟)) [أنساب الأشراف، ج5، ص137].
و”سليمان بن مهران الأعمش”، قال فيه الذهبي: ((الأعمش سليمان بن مهران، الإمام، شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدِّثين أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الحافظ…)) [سير أعلام النبلاء، ج6، ص226، رقم110]، وقال الحافظ ابن حجر: ((وقال ابن المديني: حفظ العلم على أمة محمد (ص) ستة: عمرو بن دينار بمكة، والزهري بالمدينة، وأبو إسحاق السبيعي، والأعمش بالكوفة، وقتادة ويحيى بن أبي كثير بالبصرة)) [تهذيب التهذيب، ج2، ص106].
7 – الإمام مسروق بن الأجدع: روى البلاذري في “أنساب الأشراف”، قال: ((وحدثنا يوسف وإسحاق، قالا: جرير عن الأعمش عن أبي وائل، قال: كنت مع مسروق بالسلسلة، فمرت به سفائن فيه أصنامٌ من صفر تماثيل الرجال، فسألهم عنها، فقالوا: بعث بها معاوية إلى أرض السند والهند، تُباع له، فقال مسروق: لو أعلم أنهم يقتلونني لغرقتها، ولكني أخاف أن يعذِّبوني، ثم يفتنوني، والله ما أدري أي الرجلين معاوية، أ رجلٌ يئس من الآخرة، فهو يتمتع من الدنيا، أم رجل زُين له سوء عمله)) [ أنساب الأشراف، ج5، ص137].
و”مسروق بن الأجدع”، قال فيه الذهبي: ((مسروق ابن الأجدع، الإمام، القدوة، العلم، أبو عائشة الوادعي الهمداني الكوفي… وعداده في كبار التابعين وفي المخضرَمين الذين أسلموا في حياة النبي)) [سير أعلام النبلاء، ج4، ص63، رقم17].
8 – الحافظ شريك بن عبد الله: قال الذهبي في ميزان الاعتدال: ((وروي أنّ قومًا ذكروا معاوية عند شريك، فقيل: كان حليمًا. فقال شريك: ليس بحليم مَنْ سَفَّهَ الحق، وقاتل عليًّا… قلت: قد كان شريك من أوعية العلم)) [ميزان الاعتدال، ج2، ص274]، وقال في “سير أعلام النبلاء”: ((شريك بن عبد الله العلامة الحافظ القاضي أبو عبد الله النخعي أحد الأعلام…)) [سير أعلام النبلاء، ج8، ص37].
وممّن طعن فيه – أيضًا – الإمام الشوكاني في كتابه [نيل الأوطار ج7، ص200].
ومنهم ابن أبي الحديد المعتزلي، قال طاعنًا في معاوية: ((ومعاوية مطعونٌ في دينه عند شيوخنا رحمهم الله، يرمى بالزندقة، وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد والتعرُّض لرسول الله (ص) وما تظاهر به من الجبر والإلجاء، ولو لم يكن شيء من ذلك لكان في محاربته الإمام ما يكفي في فساد حاله…)) [شرح نهج البلاغة، ج1، ص340]، وقال أيضًا: ((ومعاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد، قد طعن فيه صلى الله عليه وآله وسلم…)) [شرح نهج البلاغة، ج 10، ص101].
وقال الجاحظ “الكاتب والأديب الشهير”: ((فعندما استوى معاوية على الملك، واستبدّ على بقية الشورى، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمَّوه عام الجماعة، وما كان عام جماعة، بل كان عام فُرقةٍ وقهر وجبْرية وغلَبة، والعام الذي تحوَّلت فيه الإمامة ملكًا كسرويًّا، والخلافة منصبًا قيصريًّا، ولم يعدُ ذلك أجمع الضلّال والفسّاق، ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا، وعلى منازل ما رتَّبنا حتى ردّ قضية رسول الله (ص) ردًّا مكشوفًا، وجحد حكمه جحدًا ظاهرًا في ولد الفراش وما يجب للعاهر من إجماع الأمة على أنّ سُمية لم تكن لأبي سفيان فراشًا، وأنه إنما كان بها عاهرًا، فخرج بذلك من حكم الفُجّار إلى حكم الكُفّار))[رسائل الجاحظ، ص241]، وقال أيضًا: ((كان عليٌّ لا يستعمل في حربه إلا ما عدّله، ووافق فيه الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة، ويستعمل جميع المكايد، وجميع الخدع، حلالها وحرامها، ويسير في الحرب سيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى، وخاقان إذا لاقى زنبيل، وفنغور إذا لاقى المهراج، وعليّ يقول: لا تبدؤوهم بقتل حتى يبدؤوكم، ولا تتَّبعوا مدبِراً، ولا تُجهزوا على جريحٍ، ولا تفتحوا بابًا مغلقًا)) [ رسائل الجاحظ، ص365، الرسائل السياسية].
هذه حقيقة معاوية، وما ذكرناه ليس سوى غيضٍ من فيض…
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.