تفاصيل المنشور
- السائل - رائد الشاوي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 60 مشاهدة
تفاصيل المنشور
سيّدَنا الكريم، أنا أقرأ في القرآن الكريم، وقد أشكلت عليّ آياتٌ نُسِب فيها النسيان إلى الله تعالى، مثل قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}، فهل ربّ العالمين ينسى؟
السائل
رائد الشاوي
سيّدَنا الكريم، أنا أقرأ في القرآن الكريم، وقد أشكلت عليّ آياتٌ نُسِب فيها النسيان إلى الله تعالى، مثل قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}، فهل ربّ العالمين ينسى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
الله سبحانه لا ينسى أبدًا بمعنى الغفلة والذهول؛ لأنّ هذا نقصٌ يستحيل عليه سبحانه، وهو العالِم المحيط بكل شيء. قال عزّ وجلّ: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه:52]، وقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]، وقال: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12]. فكلّ ما في عالم الوجود حاضر في علمه، لا يخفى عليه شيء.
لكن قد تَرِد في القرآن آيات يُنسب فيها النسيان إلى الله سبحانه، كقوله عزّ وجل: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة:14]، وقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67]. وليس المراد النسيان الحقيقي، بل هو من أسلوب المشاكلة والمقابلة في العربية، حيث تُذكَر الكلمة نفسها في الطرفين، ولكن بمعنيين مختلفين، فـنسيان العبد هو تركه ذكرَ الله سبحانه والإعراضُ عن أوامره، وأمّا نسيان الله جلّ شأنه لهم فمعناه أنّه سبحانه يتركهم من رحمته وتوفيقه جزاءً وعدلًا بعد قيام الحجّة عليهم بسبب إعراضهم، لا على معنى الغفلة والذهول – تعالى الله عن ذلك - وقد جاء في تفسير الأمثل: ((ومما ينبغي الالتفات إليه أن موضوع نسيان الله تعالى قد عطف بفاء التفريع على نسيان هؤلاء القوم، وهذا يعني أن نتيجة نسيان هؤلاء لأوامر الله تعالى وطغيانهم وعصيانهم هي حرمانهم من مواهب الله ورحمته وعنايته)) [تفسير الأمثل، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج٦، ص١١٥].
فالمعلّم قد يترك طالبًا أهمل النصح مرارًا، فيعامله معاملةَ من تُرِك وشأنه، لا لأنّ المعلّم نسيه، بل لأنّ الطالب أعرض عن سماع التوجيه، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}.
وهكذا يُجمَع بين نفي النسيان في قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}، وهو نفي الغفلة مطلقًا، وبين نسبته في آيات الجزاء، وهو مشاكلةٌ ومقابلة يراد بها المعاملة بالحرمان من الرحمة والتوفيق لمن استحقّ ذلك.
والخلاصة، أنّ الله سبحانه منزَّه عن النسيان الحقيقي على الإطلاق، وما ورد في القرآن الكريم من نسبة النسيان إليه تبارك وتعالى إنّما هو على سبيل المشاكلة والمقابلة، أي معاملةُ العاصين بما اختاروا لأنفسهم، بحرمانهم من الرحمة والتوفيق بعد إعراضهم، لا على معنى الغفلة والذهول.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.