تفاصيل المنشور
- المستشكل - محمد العوادي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 55 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم .. ممكن بيان لهذه الآية قال تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34] حيث يظهر نسبة الاغواء الى الله سبحانه فكيف يغوي الله عباده ثم يعذبهم؟
المستشكل
محمد العوادي
السلام عليكم .. ممكن بيان لهذه الآية قال تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34] حيث يظهر نسبة الاغواء الى الله سبحانه فكيف يغوي الله عباده ثم يعذبهم؟
الأخ محمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ذكر المفسرون في بيان هذه الآية عدة وجوه:
الوجه الأول: أن المعنى يعاقبكم على كفركم، و قد سمى الله تعالى العذاب غيا في قوله: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [مريم: 59].
الوجه الثاني: أنَّ المراد إن كان الله يريد عقوبة إغوائكم الخلق و إضلالكم إياهم و من عادة العرب أن يسمي العقوبة باسم الشيء المعاقب عليه، و من هذا الباب قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15]، أي يعاقبهم على استهزائهم، وقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54]، أي عذبهم على مكرهم إلى غير ذلك.
الوجه الثالث: أنَّ الإغواء بمعنى الإهلاك، فالمعنى: يريد أن يهلككم، فهو من قولهم: غوي الفصيل إذا فسد من كثرة شرب اللبن.
الوجه الرابع: إِنَّ قوم نوح كانوا يعتقدون أن الله تعالى يضل عباده عن الدين، وأنَّ ما هم عليه بإرادة الله، ولو لا ذلك لغيّره وأجبرهم على خلافه، فقال لهم نوح على وجه التعجب لقولهم والإنكار لذلك أن نصحي لا ينفعكم إن كان القول كما تقولون.
الوجه الخامس: وهو ما ذهب اليه العلامة الطباطبائي في الميزان، فقال: ان الغي جهل من اعتقاد فاسد، و ذلك أنّ الجهل قد يكون من الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً، و قد يكون من اعتقاد شيء فاسد، وهذا النحو الثاني يُقال له غي، قال تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}، وقال: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ}. وعلى هذا فالفرق بين الإغواء والإضلال أن الإضلال إخراج من الطريق مع بقاء المقصد في ذكر الضال، والإغواء إخراجه منه مع زواله عن ذكره لاشتغاله بغيره جهلاً، والإرادة والمشية كالمترادفتين، وهي من الله سبحانه تسبيب الأسباب المؤدية لوجود شيء بالضرورة فكون الشيء مراداً له تعالى أنه تمم أسباب وجوده وأكملها فهو كائن لا محالة، وأما أصل السببية الجارية فهي مرادة بنفسها ولذا قيل: خلق الله الأشياء بالمشية، والمشية بنفسها… والإغواء كالإضلال وإن لم يجز نسبته إليه تعالى إذا كان إغواء ابتدائيا لكنه جائز إذا كان بعنوان المجازاة كأن يعصي الإنسان ويستوجب به الغواية فيمنعه الله أسباب التوفيق ويخليه ونفسه فيغوي ويضل عن سبيل الحق قال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:26]، وفي الكلام إشارة إلى أنّ نزول عذاب الاستئصال عليهم مسبوق بالإغواء الإلهي كما يلوح إليه قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، وقال: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [حم السجدة:25].
ويرى العلامة الطباطبائي أنَّ ما قدمه من تأويل فيه غنى عن التأويلات المتقدمة، فقد قال: وأنت بالتأمل فيما قدمناه تعرف أن الكلام في غنى من هذه التأويلات. [راجع: تفسير الميزان، ج10، ص113]
ودمتم سالمين