مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

كيفَ تكونُ الإمامةُ تنصيباً مِنَ اِلله وقَد اغتصبت مِن صاحبِهَا ولَم يُدافِع عنهَا؟!!

تفاصيل المنشور

السؤال

كيف تكون الإمامة الاثنا عشرية تنصيباً من عند الله والأول تغتصب منه الإمامة ويبايع مغتصبها ولم يدافع عنها ولم يدعُ إليها, والثاني يتنازل عنها ويبايع والثالث يرفض النصر ويفضل الانتحار وأهل بيته والمعدوم يخشى من عدم تمكين الناس له ويتخلف عن مهامه ووظائفه المكلف بها وكذلك بقية المعصومين ؟

السائل

إسماعيل محمّد

تفاصيل المنشور

السؤال

كيف تكون الإمامة الاثنا عشرية تنصيباً من عند الله والأول تغتصب منه الإمامة ويبايع مغتصبها ولم يدافع عنها ولم يدعُ إليها, والثاني يتنازل عنها ويبايع والثالث يرفض النصر ويفضل الانتحار وأهل بيته والمعدوم يخشى من عدم تمكين الناس له ويتخلف عن مهامه ووظائفه المكلف بها وكذلك بقية المعصومين ؟

توجدُ في هذهِ الشّبهةِ جُملةُ مُغالطاتٍ سنجيبُ عليهَا نقضاً وحلّاً:

أمّا الجوابُ النّقضيُّ فقَد بعثَ اللهُ سبحانهُ الأنبياءَ إلى أقوامِهِم وقامُوا بقتلِهِم ، كمَا يُصرّحُ القرآنُ الكريمُ بذلكَ حينَ يقولُ : {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} النّساءُ : 155، فهَل تراهُ قَد انتفَت نبوّةُ هؤلاءِ الأنبياءِ لأنَّ قومَهُم قتلوهُم، كما يُفيدهُ كلامُكُم بأنَّ التّنصيبَ لا يتناسبُ واغتصابَ الحقِّ مِن صاحبِهِ؟!!

وأمّا الجوابُ الحلّيُّ :

فدَعوى صاحبِ الشّبهةِ بأنَّ أميرَ المؤمنينَ عليّاً (عليهِ السّلامُ) كانَ قَد بايعَ مَن اغتصبَ خلافتَهُ ، فهذا الكلامُ ليسَ صحيحاً، لأنّهُ لَم يَثبُت بشكلٍ مقطوعٍ بهِ أنَّ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) قَد بايعَ الذينَ سبقوهُ بالخلافةِ، وعلى فرضِ ثبوتِهِ ، فهيَ بيعةُ إكراهٍ واضطرارٍ، وبيعةُ الإكراهِ لا تُعدُّ بيعةً شرعاً. ويدلُّ على هذا ما وردَ في صحيحِ البُخاري: ( وكانَ لعليٍّ منَ النّاسِ وجهٌ حياةَ فاطمةَ فلمَّا تُوفّيَت استنكرَ على وجوهِ النّاسِ فالتمسَ مُصالحةَ أبي بكرٍ ومُبايعتَهُ ولَم يكُن يُبايعُ تلكَ الأشهرَ فأرسلَ إلى أبي بكرٍ أن إئتِنا ولا يأتِنا أحدٌ معكَ كراهيةً لمحضرِ عُمر). [صحيحُ البُخاريّ ج 5 ،ص 83 ، بابُ غزوةِ خيبر]

وهذهِ الكراهيةُ التي صرّحَ بهَا البُخاريُّ لَم تكُن بحقِّ عُمر فقَط بَل كانَت تشملُ حتّى أبي بكرٍ، كمَا يرويهِ لنَا مُسلمٌ في صحيحهِ وعلى لسانِ عُمر نفسِهِ ، حينَ خاطبَ عمرُ بنُ الخطّابِ أميرَ المُؤمنينَ عليّاً ( عليهِ السّلامُ ) والعبّاسَ عمَّ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) قائِلاً لهُما : ( فجِئتُمَا تطلبُ ميراثكَ مِن ابنِ أخيكَ ويطلبُ هذا ميراثَ امرأتِهِ مِن أبيهَا فقالَ أبو بكرٍ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ مَا نُورّثُ مَا تركناهُ صدقةً فرأيتُماهُ كاذِباً آثِماً غادِراً خائِناً واللهُ يعلمُ إنّهُ لصادقٌ بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحقِّ ثُمَّ تُوفّيَ أبو بكرٍ وأنا وليُّ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ووليُّ أبي بكرٍ فرأيتُمانِي كاذِباً آثِماً غادِراً خائِناً). [ صحيحُ مُسلمٍ – كتابُ الجهادِ والسّيرِ – رقمُ 1379].

ففي ظلِّ هذهِ الأجواءِ المُستقاةِ مِن أصحِّ كتابينِ مِن كُتبِ أهلِ السّنّةِ ، وهُما صحيحا البُخاريّ ومُسلمٍ ، نفهمُ أنّ هذهِ البيعةَ التي يشيرُ إليها البُخاريُّ في صحيحِهِ، هيَ ليسَت بيعةً شرعيّةً بَل هيَ مُصالحةٌ – كمَا سمّاها البُخاريُّ – وعطفُهُ لعبارةِ (مُبايعة) على عبارةِ (مُصالحة) يُفسّرُ لنَا أجواءَ هذهِ البيعةِ وطبيعتَهَا ، خاصّةً معَ ضمِّ تصريحِ عُمرَ بنِ الخطّابِ في صحيحِ مُسلمٍ بمَا يراهُ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) مِن صفاتِ الكذبِ والإثمِ والغدرِ والخيانةِ للمَعنيينِ .. فكلُّ هذهِ الأمورِ تُعطينا صورةً قريبةً مِنَ الوضوحِ إن لَم تكُن هيَ الوضوحَ بعينِهِ لِما جرى مِن أحداثٍ في تلكَ الحقبةِ الحسّاسةِ مِن تاريخِ الإسلامِ .. هذهِ الحقبةُ التي أوضحَهَا لنَا الإمامُ الغزاليُّ وبيّنَ فيهَا انقلابَ الأصحابِ على الأعقابِ ونكرانِهِم لحديثِ الغديرِ بعدَ أن بايَعُوا الإمامَ (عليهِ السّلامُ) على الولايةِ .

قالَ في “سرِّ العالمينَ”: (لكِن أسفرتِ الحُجّةُ وجهَهَا، وأجمعَ الجماهيرُ على متنِ الحديثِ، مِن خُطبتِهِ في يومِ غديرِ خُمٍّ، باتّفاقِ الجميعِ، وهوَ يقولُ: مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ. فقالَ عُمر: بخٍ بخٍ يا أبا الحسنِ، لقَد أصبحتَ مولايَ ومولى كلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ. فهذا تسليمٌ ورِضىً وتحكيمٌ، ثمَّ بعدَ هذا غلبَ الهوى لحُبِّ الرّياسةِ، وحملِ عمودِ الخلافةِ، وعقودِ البنودِ، وخفقانِ الهوى في قعقعةِ الرّاياتِ، واشتباكِ ازدحامِ الخيولِ، وفتحِ الأمصارِ؛ سقاهُم كأسَ الهوى، فعادُوا إلى الخلافِ الأوّلِ، فنبذوهُ وراءَ ظهورِهِم، واشترُوا بهِ ثمناً قليلاً). إنتهَى [ مجموعةُ رسائلِ الإمامِ الغزاليّ، كتابُ سرِّ العالمينَ: 483]

أمّا كونُهُ (عليهِ السّلامُ) لم يُقاتِلِ القومَ الذينَ اغتصبُوا خلافتَهُ وذلكَ لأنّهُ كانَ مأموراً بالسّلمِ بعدَ النّبيّ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ) مِن أجلِ ألّا يفسحَ المجالَ لليهودِ والمُنافقينَ أن ينقضُّوا على الإسلامِ وهوَ مازالَ غضّاً طريّاً لَم يقوَ عودُهُ بعدُ.

رَوى أحمدُ بنُ حنبلٍ في مُسندِهِ بسندِهِ عَن إياس بنِ عمرو الأسلميّ عَن عليٍّ بنِ أبي طالبٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) : سيكونُ بعدي اختلافٌ أو أمرٌ، فإن استطعتَ أن تكونَ السِّلمَ فافعَل.

قالَ الشّارحُ للمُسندِ المُحقّقُ أحمد محمّد شاكِر : إسنادُهُ صحيحٌ [ مسندُ أحمدَ بنِ حنبلٍ 1: 469]

وجاءَ في المُستدركِ على الصّحيحينِ للحاكمِ النّيسابوري بسندِهِ عَن أبي إدريس الأودي عَن عليٍّ (عليهِ السّلامُ) : إنَّ مِمَّا عهدَ إليَّ النّبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ) أنَّ الأمّةَ ستغدرُ بي بعدَهُ.

قالَ الحاكمُ : هذا حديثٌ صحيحُ الإسنادِ ولم يُخرجاهُ .

وقالَ الذّهبيُّ : صحيحٌ .

[ المُستدركُ على الصّحيحينِ 3: 150]

وجاءَ في ” اِتحافِ الخِيَرةِ المَهرةِ “للبوصيري عن عليٍّ ( عليهِ السّلامُ ): قَالَ : بَينَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدِي ، وَنَحنُ نَمْشِي فِي بَعضِ سِكَكِ المَدِينَةِ إِذ أَتَينَا عَلَى حَدِيقَةٍ ، فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَحسَنَهَا مِن حَدِيقَةٍ ، قَالَ : ” لَكَ فِي الجَنَّةِ أَحسَنُ مِنهَا ” ، ثُمَّ مَرَرنَا بِأُخرَى ، فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَحسَنَهَا مِن حَدِيقَةٍ ، قَالَ : ” لَكَ فِي الجَنَّةِ أَحسَنُ مِنهَا ” ، حَتَّى مَرَرنَا بِسَبْعِ حَدَائِقَ كُلُّ ذَلِكَ أَقُولُ : مَا أَحسَنَهَا مِن حَدِيقَةٍ ، وَيَقُولُ : ” لَكَ فِي الجَنَّةِ أَحسَنُ مِنهَا ” ، فَلَمَّا خَلَا لِي الطَّرِيقُ اعتَنَقَنِي ، ثُمَّ أَجْهَشَ بَاكِيًا ، قَالَ : قُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يُبكِيكَ ؟ قَالَ : ” ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ لَا يُبدُونَهَا لَكَ إِلَّا مِن بَعدِي ” ، قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فِي سَلَامَةٍ مِن دِينِي ؟ قَالَ : ” فِي سَلَامَةٍ مِن دِينِكَ “.

رَوَاهُ أَبُو يَعلَى الْمَوصِلِيُّ ، وَالبَزَّارُ ، وَالحَاكِمُ ، وَصَحَّحَهُ . [ إتحافُ الخِيرةِ المَهرةِ 9: 253]

ونَكتفي ببيانِ هذهِ الحقائقِ عَنِ الإجابةِ على بقيّةِ المُغالطاتِ ، فالحقُّ واضحٌ أبلجُ لأهلِهِ والباطلُ لجلج .

ودُمتُم سالِمينَ.