تفاصيل المنشور
- المستشكل - أنور عبيد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 12 مشاهدة
تفاصيل المنشور
يتباهى اتباع الإسلام بشعيرة الصوم مع أن الإسلام لم يكن أول دين يفرض عبادة الصوم على أتباعه، بل يعتبر الصوم من أقدم الطقوس التي عرفتها البشرية وأكثرها إنتشارا وفقا لعلم تاريخ الأديان، فلا يكاد يخلو أي دين من هذه الشعيرة
المستشكل
أنور عبيد
يتباهى اتباع الإسلام بشعيرة الصوم مع أن الإسلام لم يكن أول دين يفرض عبادة الصوم على أتباعه، بل يعتبر الصوم من أقدم الطقوس التي عرفتها البشرية وأكثرها إنتشارا وفقا لعلم تاريخ الأديان، فلا يكاد يخلو أي دين من هذه الشعيرة
بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إن كلامك (الإسلام لم يكن أول دين يفرض عبادة الصوم على أتباعه)، هو من تحصيل الحاصل!! فالقرآن الكريم نفسه أخبر عن الصوم في الأمم السابقة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، وبمراجعة النصوص الموجودة في التوراة والإنجيل (رغم التحريف الذي فيها)، نجد أن الصوم كان موجودا بين اليهود والنصارى، وكانت الأمم الأخرى تصوم في أحزانها ومآسيها، فقد ورد في “قاموس الكتاب المقدس”: ((الصوم بشكل عام وفي جميع الأوقات كان متداولا في أوقات الأحزان والنوائب بين جميع الطوائف والملل والمذاهب)) [قاموس الكتاب المقدس، ص427].
ويظهر من التوراة أن موسى (عليه السلام) صام أربعين يوما، فقد جاء فيها: ((أقمت في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة لا آكل خبزا ولا أشرب ماء)) [التوراة، سفر التثنية، الفصل 9، الرقم9]، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، لابد أن تعي جيداً أن الإسلام هو دين ودعوة جميع الأنبياء والمرسلين، فقد قال تعالى مخبراً عن إسلام الأنبياء الذين تقدموا: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة :44]، وقال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78].
فالإسلام دين نوح (عليه السلام)، في قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس :72].
والإسلام دين إبراهيم (عليه السلام)، في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة :131]. وأخبر عنه في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً} [البقرة: 127-128].
والإسلام دين يعقوب (عليه السلام)، وبنيه، في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].
والإسلام دين يوسف (عليه السلام)، في قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
والإسلام دين موسى وهارون (عليهما السلام)، في قوله تعالى: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:126]، وأخبر القرآن الكريم عن موسى (عليه السلام) مخاطبا قومه في قوله تعالى: {يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس :84].
بل حتى الطاغية فرعون كان يدرك أن دين موسى (عليه السلام) هو الإسلام، وذلك لما أدركه الغرق، فقد أخبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90].
والإسلام دين عيسى (عليه السلام)، في قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة :111].
والإسلام دين سليمان (عليه السلام)، في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30-31]، وأخبر القرآن الكريم عن إسلام ملكة سبأ في قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل :44].
وقد تعترض فتقول: إن كان الدين واحد وهو الإسلام فلماذا نرى التفاوت في تعاليم الأنبياء لأممهم، ألا يدل هذا على أن الدين ليس واحدا؟
والجواب: الدين واحد وهو الإسلام، وانما اختلفت وتعددت الشرائع (المناهج والسبل) بين نبي وآخر، قال الحق تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48]، أي جعلنا لكم أيها الرسل والأنبياء ديناً واحداً، لكنا جعلنا لكل منكم طريقاً وسبيلاً في تحديد سير هذا الدّين بين الناس، والفرق بين الدين والشريعة، أنّ الدين هو السنّة والطريقة الإلهية العامّة لجميع الأمم، والشريعة هي الطريقة الممهدة لامة من الأمم أو لنبي من الأنبياء الذين بعثوا بها، كشريعة نوح، وشريعة إبراهيم، وشريعة موسى، وشريعة عيسى، وشريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والشريعة تقبل النسخ دون الدين بمعناه الوسيع. [راجع: تفسير الميزان: ج٥، ص٣٥٠- ٣٥١].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.