تفاصيل المنشور
- المستشكل - وميض
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 10 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الدينُ لا ينفعُ في الحياة العمليّة، فهو لا يقدِّم حلولًا ملموسةً لمشاكل الجوع والفقر، بينما الأنظمة العلمانية توفِّر برامجَ اجتماعية حقيقيةً لتحسين حياة الناس وتلبيةِ احتياجاتهم اليومية!!
المستشكل
وميض
الدينُ لا ينفعُ في الحياة العمليّة، فهو لا يقدِّم حلولًا ملموسةً لمشاكل الجوع والفقر، بينما الأنظمة العلمانية توفِّر برامجَ اجتماعية حقيقيةً لتحسين حياة الناس وتلبيةِ احتياجاتهم اليومية!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
تسألُ عن دينٍ “لا ينفع في الحياة”؟ أ لم يكنِ الدينُ ـ على مر التاريخ ـ دافعًا وراء الثورات ضدَّ الظلم والاضطهاد، والملهِم البارز للعلم والمعرفة ونشر القِيم الإنسانية؟! وهل مِن المنطق حصْر قيمة الدين فقط في إشباع جوعِك اللحظيّ والآني، بينما يهدف في واقعِه إلى تهذيب النفوس، وبناء العدل، وتزكية النفوس، وتقديم منظومة خُلُقيّة تدفع المجتمع كلَّه للنهضة؟!
إذا كنتَ ترى أنَّ الدين الذي لا يحقِّق لك مصلحةً دنيوية أو يرفع جوعًا ملموسًا لا قيمةَ له، فربما أنت تنظر إلى الدين كما تنظر إلى سلعةٍ يجب أنْ تدرّ عليك نفعًا ماديًّا مباشرًا، للأسف فهذا تصوُّرٌ سطحيٌّ وساذج، فالدِّين ليس خدمةً فورية لتلبية الرغبات؛ بل هو منهجٌ شامل يدعو إلى الارتقاء بالذات والتخلُّص من الأنانية.
ومع ذلك، لو نظرنا إلى الدول العلمانية لوجدنا أنَّ الجوع والفقر ليسا غائبَين عنها، على رغم وفرة الموارد والتقدُّم التكنولوجي، فإن كثيرًا من المجتمعات العلمانية تعاني من مشكلاتٍ اقتصادية تؤدِّي إلى الفقر والتشرُّد والجوع بسبب تفشّي البطالة، حتُى في أغنى دول العالم، فهل يمكنك القول بأن العلمانية بذلك “لا قيمةَ لها”؛ لأنها لم تحلَّ مشكلة الجوع تمامًا؟
إذا قلتَ: نعم، فأنتَ متناقضٌ. وإذا قلتَ: لا، فأنتَ تهدم إشكالك بنفسِك ضد الدين، وتسقطه.
وإنَّ مِن السخرية أنْ يُتَّهَم الدينُ بقلَّة الفاعلية في حلِّ المشاكل المادية في الوقت الذي نرى فيه أنَّ الأنظمة العلمانية ـ التي تروِّج لنفسها كأنها الحلُّ الوحيد لمشاكل الإنسان ـ فشِلت في تقديم حياةٍ كريمةٍ لكل أفرادها، أما الدينُ فإنه يقدِّم حلولًا جوهريّة لمشاكل النفس والمجتمع، وهو لا يتوقَّف عند الجوع المادِّيّ بل يتعدّاه إلى معالجة مشاكل الجوع الروحي، ويعطي الأمل، وهو الأكثر تأثيرًا في حياة الإنسان.
يقول اللهُ سبحانه في كتابه الكريم: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]، في هذه الآية نجد دعوةً صريحة للمؤمنين لتخصيص جزءٍ مِن أموالهم لإغاثة المحتاجين، مما يعني أنَّ الدين لا يقف عند حدود العبادة الشخصية، بل يمتدُّ إلى العمل الاجتماعي وتحقيق العدالة والرحمة، ويحثُّ على رعاية الفقراء والمساكين.
أما إذا كنتَ ترى أنَّ الدين الذي لا يرفع جوعَك المادي أو يلبِّي احتياجاتِك الفورية لا قيمةَ له، فأنتَ تبني حكمَك على مقياسٍ ضيِّق، يعتمد فقط على المنفعة الملموسة في الحياة الدنيا، متجاهلًا أبعادًا أعمق في جوهر الدين، فالدِّينُ ليس أداةً لتحقيق رغبات آنيّة، بل هو رسالةٌ تهدف إلى تهذيب النفوس والارتقاء بالأخلاق وإقامةِ العدل الاجتماعيّ.
وإن الحديث عن تفاوتاتٍ اقتصاديةٍ في المجتمعات الدينية أو فسادٍ يعمُّ بعضَها، فهذا لا يعني أنَّ الدين نفسَه هو المسؤول عن هذه التفاوتات أو الفساد، بل هو انعكاسٌ للخلل في تطبيق القِيم الدينية على أرض الواقع؛ لأن الدِّين في جوهره يدعو إلى العدالة والمساواة ورعاية الفقراء، لكنَّ المشكلة ليستْ في الدين ذاته، بل في فهْم وتطبيق بعض المتديِّنين له، فلو طُبِّقت تعاليم الدين بنحوٍ صحيح على كافة الصُّعُد، لما كانتْ هذه التفاوتاتُ موجودة، إذًا، الفسادُ لا علاقةَ له بالقِيم الدينية، بل هو نتيجةٌ لتفسيرٍ خاطئ أو تطبيقٍ مشوَّه للدين.
والخلاصة: أن الدين يقدِّم حلولًا شاملة تتجاوز تلبية الاحتياجات المادية الآنية إلى تهذيب النفوس، مثل تحقيق العدل، وإقامة نظامٍ متكامل يوازن بين الروح والمادة.
أما الأنظمةُ العلمانية فهي تبقى قاصرة، بل عاجزة عن القضاء الجذري على الفقر والفساد على رغم طرحها برامجَ اجتماعيةً متقدِّمة. واستمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الدول العلمانية يكشفُ بوضوحٍ تامٍّ عن محدودية معالجتِها للمشكلات وفشلِها الذريع في ذلك.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.